الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

مختصر شعب الإيمان للإمام البيهقي - 51 العدل

  51

الحادي والخمسون من شعب الإيمان

وهو باب في الحكم بين الناس بالعدل

 

 قال الله عز وجل  :( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا  )

وقال  :( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما  ).

 وقال في صفة نفسه :(قائما بالقسط ).

وقال  :( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ).

إلي ذلك من الآيات التي أمر فيها بالعدل في الحكم والكيل والميزان والشهادة.

 

 قال:  فوصف جل ثناؤه نفسه بالقسط وهو العدل وأمر عباده ووصاهم فيما يتعاملون به بملازمته والانتهاء إلى ما توجبه آلة العدل الموضوعة بينهم من المكيال والميزان، فثبت بهذا كله أن العدل بين الناس في الأحكام وعامة المعاملات من فرائض الدين،  فأما ما اتصل منه بغير الحكم فالناس كلهم مأمورون بأن ينصف بعضهم بعضا من نفسه ، فلا الطالب يطلب ما ليس له ولا المطلوب يمنع ما عليه بعد أن كان قادرا على أن يعفو به.

 

 وأما ما اتصل منه بالحاكم فجملته أن الحاكم لا ينبغي له أن يتبع هواه، ولا يتعدى الحق إلى ما سواه،  كما قال الله عز وجل لداود عليه السلام :(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) فإن الحاكم ليس رجلا خص من بين الناس فقيل له احكم بما شئت فإن هذا لم يكن لملك مقرب ولا نبي مرسل وإنما اؤتمن على حكم الله  - تعالى جده  - ليفصل بين عباده ويحمل المختلفين عليه فكل ما قاله بين الخصمين مما ليس بحكم الله عز وجل فهو مردود عليه وهو فيه أسوأ حالا ممن قاله وهو غير حاكم، لأنه اؤتمن فخان، وكذب على الله جل ثناؤه واختيان الأمانة نفاق ، والكذب على الله شقاق،

 والله تعالى يقول:(  يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم  )

ويقول : (  ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ).

 

 قال : وينبغي للإمام ألا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبت، وإلى الفهم الصبر والحلم، وكان عدلا أمينا نزها عن المطاعم الدنيئة ، ورعا عن المطامع الرديئة ، شديدا قويا في ذات الله، متيقظا متحفظا من سخط الله ، ليس بالنكس الخوار فلا يهاب، ولا بالمتعظم الجبار فلا ينتاب ، لكن وسطا خيارا ، ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته ، والتعرف بحاله وطريقته ، ويقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير ، وما يجب تقريره بأحسن التقرير ، ويرزقه من بيت المال إن لم يجد من يعمل بغير رزق ما يعلم أنه يكفيه ، ويقوى فيما ولاه يده، ويشد أزره.

 

ويتوقى أن يقال في ولايته هذا حكم الله ، وهذا حكم الديوان ، فإن هذا من قائله إشراك بالله، إذ لا حكم إلا لله  قال الله عز وجل : (  ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين )

  كما قال : (  ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ).

  وقال : (  ولا يشرك في حكمه أحدا )،  إلى غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه .

 

وقد وردت في تقلد القضاء آثار تزهد فيه بل توجب التحرز والفرار منه وهي محمولة على تعظيم أمر القضاء والدلالة على خطره ورفعة قدره ، لا على الكراهة له من طريق أن فيه قبحا أو مأثما أو سقاطة،  وأن من فر منه فلإشفاقه من أن لا يقوم بحقه .

 

قال الإمام أحمد رحمه الله : فمن علم من نفسه ما لا يمكنه القيام معه بحقه فلا ينبغي له أن يتعرض للشروع فيه ، ومن علم من نفسه أنه يصلح له فينبغي له أن يشاور فيه أهل العلم والفضل والأمانة ممن خبره ويبطن حاله وأمره على نفسه ليخبروه عن نفسه بما لعله يخفى عليه

 

7122 - عن إسماعيل بن قيس عن عبد الله قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :" لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها " أخرجاه في الصحيح من حديث إسماعيل بن أبي خالد .

 

7125 -  عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  " القضاة ثلاثة:  قاضيان في النار ، وقاض في الجنة،  قاض قضى بغير الحق وهو يعلم فذلك في النار، وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذلك في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة " صححه الحاكم وأقره الذهبي ووافقهما الألباني.

 

7128 -  ...نا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله نا عبد الرزاق عن معمر قال لما عزلوه شيعته يعني بن شبرمة فلما انصرف الناس وأفردني وإياه السير نظر إلي فقال لي: يا أبا عروة أحمد الله ، أما إني لم أستبدل بقميصي هذا قميصا منذ دخلتها ، ثم سكت ساعة،  ثم قال: يا أبا عروة إنما أقول لك حلالا ، فأما الحرام فلا سبيل إليه ق.

ال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: وكان بن شبرمة ولي قضاء اليمن.

 

7133 -  ... نا إبراهيم بن يوسف البلخي سمعت بن عيينة وحماد بن زيد يقولان: لا تتم الرئاسة للرجال إلا بأربع: علم جامع،  وورع تام ، وحلم كامل، وحسن التدبير فإن لم يكن هذه الأربعة فمائدة منصوبة، وكف مبسوطة ، وبذل مبذول ، وحسن المعاشرة مع الناس ، فإن لم يكن هذه الأربع فبضرب السيف، وطعن الرمح ، وشجاعة القلب، وتدبير العساكر ، فإن لم يكن فيه من هذه الخصال شيء فلا ينبغي له أن يطلب الرئاسة .

 

  

ليست هناك تعليقات: