الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

مختصر شعب الإيمان للإمام البيهقي -3 الإيمان بالملائكة

 


3 - الثالث من شعب الإيمان

 وهو باب في الإيمان بالملائكة

 

والإيمان بالملائكة ينتظم معاني :أحدها: التصديق بوجودهم.

 

 والآخر: إنزالهم منازلهم وإثبات أنهم عباد الله وخلقه كالإنس والجن مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه والموت جائز عليهم ولكن الله تعالى جعل لهم أمدا بعيدا فلا يتوفاهم حتى يبلغوه ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جده ولا يدعون آلهة كما ادعتهم الأوائل .

 

والثالث : الاعتراف بأن منهم رسل الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر.

 وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض

 

ويتبع ذلك: الاعتراف بأن منهم حملة العرش ومنهم الصافون ومنهم خزنة الجنة ومنهم خزنة النار ومنهم كتبة الأعمال ومنهم الذين يسوقون السحاب وقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره

 قال الله تعالى في الإيمان بهم خاصة :"  آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " .

 وروينا عن بن عمر عن عمر رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم  حين سئل عن الإيمان فقال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله "

 

فصل في معرفة الملائكة

 

قال الحليمي رحمه الله تعالى: من الناس من ذهب إلى أن الأحياء العقلاء الناطقين فريقان إنس وجن وكل واحد من الفريقين صنفان أخيار وأشرار،  فأخيار الإنس يدعون أبرارا ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل ، وأشرارهم يدعون فجارا ثم ينقسمون إلى كفار وغير كفار .

 

وأخيار الجن يسمون ملائكة ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل وأشرارهم يدعون شياطين ثم قد يستعار هذا الاسم لفجار الإنس تشبيها لهم بفجار الجن، وقد يحتمل هذا التفسير وجها آخر وهو أن الجن منهم سكان الأرض ومنهم سكان السماء فالذين هم سكان السماء يدعون الملأ الأعلى ويدعون الملائكة والذين هم سكان الأرض هم الجن بالإطلاق وينقسمون إلى أخيار وفجار ومؤمنين وكافرين وإنما قيل للملأ الأعلى ملائكة لأنهم مستصلحون للرسالة التي تسمى ألوكا وأكثر الناس على أن الملك أصله مالك وإن ملاك مقلوب وأنه قيل لواحد الملائكة مالك بمعنى أنه موضع للرسالة بكونه مصطفى مختارا للسماء أن يسكنها إذ كانت الرسالة منها تأتي سكان الأرض ومن ذهب إلى هذا قال أخبر الله عز وجل أنه أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس فلو لم يكن من الملائكة لم يكن لاستثنائه منهم معنى ثم قال تعالى في آية أخرى :"  إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"   فأبان أن المأمورين بالسجود كانوا طبقة واحدة إلا أن إبليس لما عصى ولعن صار من الجن الذين يسكنون الأرض،  وأيضا فإن الله عز وجل أخبر عن الكفار الذين قالوا إن الملائكة بنات الله فقال تعالى  :

" وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا "  فدل ذلك على أن الملائكة من الجن وأن النسب الذي جعلوه بين الله تعالى وبين الجن قولهم الملائكة بنات الله تعالى عما قالوا علوا كبيرا ، وأيضا فإن الإنس هم الظاهرون والجن هم المجتنون والملائكة مجتنون

 

وأيضا فإن الله تعالى لما وصف الخلائق قال   خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار   فلو كانت الملائكة صنفا ثالثا لما كان يدع أشراف الخلائق فلا يتمدح بالقدرة على خلقه قال ومن خالف هذا القول قال إن سكان الأرض ينقسمون إلى إنس وجن فأما من خرج عن هذا الحد لم يلحقه اسم الإنس وإن كان مرئيا ولا اسم الجن وإن كان غير مرئي والذي يدل على أن الملائكة غير الجن أن الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أخبر الله عز وجل عن سبب مفارقته الملائكة فقال :"  إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه "  فلو كان كلهم جنا لاشتركوا في الامتناع عن السجود ولم يكن في أن إبليس كان من الجن ما يحمله على أن لا يسجد وفي هذا ما أبان ان الملائكة خير والجن خير وأنهما فريقان شتى وإنما دخل إبليس في الأمر الذي خوطبت به الملائكة لأن الله تعالى قد أذن له في مساكنة الملائكة ومجاورتهم بحسن عبادته وشدة اجتهاده فجرى في عدادهم فلما أمرت الملائكة بالسجود لآدم دخل في الجملة الملك الأصلي والملحق بهم غير أن مفارقته الملائكة في أصل جبلته حملته على مفارقتهم في الطاعة فلذلك قال الله عز وجل  :" إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه "  وأما قول الله عز وجل  :" وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا  " فيحتمل أن ذلك تسميتهم الأصنام آلهة ودعواهم أنها بنات الله عز وجل وتقربهم بعبادتها إلى الله عز وجل وذلك حين كان شياطين الجن  يدخلون أجوافها ويكلمونهم منها فكانوا ينسبون ذلك الكلام إلى الله عز وجل فقال الله تعالى :"  وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا "  لأنهم يسمون الأصنام لمكان تكليم الجنة إياهم من أجوافها آلهة وادعوا أنها بنات الله فأثبتوا بين الله تعالى وبين الجنة نسبا جهلا منهم .

 

قال الحليمي رحمه الله تعالى: وأما قول الله عز وجل :"  خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار "  فإنما هو بيان ما ركبه من خلق متقدم فلم تدخل الملائكة في ذلك لأنهم مخترعون قال الله عز وجل لهم كونوا فكانوا كما قال للأصل الذي منه خلق الجن والأصل الذي خلق منه الإنس هو التراب والماء والنار والهواء كن فكان فكانت الملائكة في الاختراع كأصول الجن والإنس لا كأعيانهم فلذلك لم يذكروا معهم والله أعلم .

 

قال البيهقي رحمه الله تعالى: وأبين من هذا كله في أن الملائكة صنف غير الجن حديث عائشة رضي الله عنها

  141 -  عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :" خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم " رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وفي فصله بينهما في الذكر دليل على أنه أراد نورا آخر غير نور النار والله تعالى أعلم .

 

142 - عن صالح مولى التوءمة عن بن عباس رضي الله عنهما قال :"إن من الملائكة قبيلة يقال لها الجن وكان إبليس منها وكان يسوس ما بين السماء والأرض فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما" .(إسناده حسن).

 

 قال البيهقي رحمه الله تعالى : فهذا إن ثبت يدل على مفارقة هؤلاء القبيلة غيرهم من الملائكة في التسمية وزعم مقاتل بن سليمان أن خلق إبليس وخلق هؤلاء وقع من نار السموم ومن مارج من نار وهم كانوا خزان الجنة رأسهم إبليس وكانوا أهل السماء الدنيا فهبطوا إلى الأرض حين اقتتلت الجن الذين كانوا سكان الأرض وهم الذين أوحى الله عز وجل إليهم إني جاعل في الأرض خليفة .

 

وزعم الكلبي: أنهم كانوا خزان الجنان يقال لذلك الجنة الجن اشتق لهم اسم من الجنة وكان مع إبليس أقاليد الجنان وخلقه من مارج من نار وهي نار لا دخان لها فاقتتل الجن بنو الجان فيما بينهم فبعث الله تعالى إبليس من السماء الدنيا في جند من الملائكة فهبطوا إلى الأرض فأخرجوا الجن بني

الجان منها وألحقوهم بجزائر البحر وسكنوا الأرض وهم الذين قال الله عز وجل لهم :" إني جاعل في الأرض خليفة "  ولم يعن به الملائكة الذين في السماء.

 

 قال البيهقي رحمه الله تعالى: فعلى هذا يحتمل إن كان خلق هؤلاء أيضا وقع من مارج من نار أن يكونوا إنما يسمون الجن لما ذكره الكلبي أو لموافقتهم الجن في أصل الخلقة وخلق غيرهم من الملائكة وقع من نور كما روينا من حديث عائشة وقوله  :" وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا "

  يحتمل أن يكون المراد به هذه القبيلة التي يقال لها الجن دون غيرهم من الملائكة والله تعالى أعلم .

 

قال الحليمي رحمه الله تعالى : ومما يدل على مفارقة الجن الملائكة أن الله عز وجل أخبر أنه يسأل الملائكة يوم القيامة عن المشركين فيقول لهم:" أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون" سبأ 40

فيقول الملائكة :" سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن " فثبت بهذا أن الملائكة غير الجن فقال الشيخ رحمه الله ويحتمل أن يكون هذا التبري من الملأ الأعلى الذين كانوا لا يسمون جنا والله أعلم .

 

143 - عن بن مسعود رضي الله عنه قال:" إن ناركم هذه التي توقدون لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم وإن السموم الحار التي خلق الله تعالى منها الجان لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم ".

 

144 - عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله عنهما قال :"كان اسم إبليس عزازيل وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأربعة الأجنحة ثم أبلس بعد ".

 

146 - عن سعيد بن جبير في قوله :"  كان من الجن "  قال كان من الجنانين الذين يعملون في الجنة .

 

قال الحليمي رحمه الله: ثم إن الملائكة يسمون روحانيين بضم الراء وسمى الله عز وجل جبريل عليه السلام الروح الأمين وروح القدس وقال :"  يوم يقوم الروح والملائكة صفا  "

 

 فقيل إن المراد به جبريل عليه السلام وقيل إنه ملك عظيم سوى جبريل يقوم وحده صفا والملائكة صفا ومن قال هذا قال الروح جوهر وقد يجوز أن يؤلف الله سبحانه أرواحا فيجسمها ويخلق خلقا ناطقا عاقلا وقد يجوز أن تكون أجسام الملائكة على ما هي عليه اليوم مخترعة كما اخترع عيسى وناقة صالح عليهما السلام وقال بعض الناس إن الملائكة روحانيون بفتح الراء بمعنى أنهم ليسوا محصورين في الأبنية والظلل ولكنهم في فسحة وبساطة وقد قيل إن ملائكة الرحمة هم الروحانيون وملائكة العذاب هم الكروبيون فهذا من الكرب وذاك من الروح والله تعالى أعلم.

 

 قال البيهقي رحمه الله: وقد تكلم الناس قديما وحديثا في المفاضلة بين الملائكة والبشر فذهب ذاهبون إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة وذهب آخرون إلى إن الملأ الأعلى مفضلون على سكان الأرض ولكل واحد من القولين وجه.

 

وروينا عن عبد الله بن سلام أنه قال:" إن أكرم خليقة الله تعالى على الله سبحانه أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم  قال: بشر قلت : رحمك الله فأين الملائكة قال فنظر إلي وضحك فقال يا بن أخي وهل تدري ما الملائكة إنما الملائكة خلق كخلق الأرض وخلق السماء وخلق السحاب وخلق الجبال وخلق الرياح وسائر الخلائق وإن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم " وذكر الحديث

148  - عن بشر بن شغاف عن بن سلام فذكره(رجاله ثقات).

 

153 - عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :" بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطير فقعدت في أحدهما وقعد في الآخر فسميت وارتفعت حتى إذا سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ولوشئت أن أمس السماء مسست فالتفت فإذا جبريل عليه السلام كأنه حلس لاطئ(الحلس ما يبسط علي الأرض ولاطئ أي لاصق) فعرفت فضل علمه بالله عز وجل علي"

 

 ورواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد عن النبي  صلى الله عليه وسلم  وقال  صلى الله عليه وسلم :" فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه حلس فعرفت فضل خشيته على خشيتي فأوحي إلي نبيا ملكا أو نبيا عبدا أو إلى الجنة فأوما إلي جبريل وهو مضطجع أن تواضع فقلت لا بل نبيا عبدا ".

 

154 - عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي عن أبيه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :" لما أسري بي كنت أنا في شجرة وجبريل في شجرة فغشينا من أمر الله بعض ما غشينا فخر جبريل عليه السلام مغشيا عليه وثبت على أمري فعرفت فضل إيمان جبريل على إيماني ".

158  - عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبي أنه سأل كعبا عن قول الله: " يسبحون الليل والنهار لا يفترون"  ولا يسئمون فقال هل يؤذيك طرفك قال لا قال فهل يؤذيك نفسك قال لا قال فإنهم الهموا التسبيح كما الهمتم النفس والطرف .

 

قال البيهقي: ومن قال فالأول زعم أنهم خلقوا بلا شهوة فمن يعبد الله وطينه معجون بالهوى والشهوة كانت عبادته أفضل ألا ترى من ابتلي من الملائكة بالشهوة كيف وقع في المعصية وذكر قصة هاروت وماروت .

 

160 - عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول :" إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف تعملون قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة في الإشراك قالا لا والله لا نشرك بالله أبدا فذهبت عنهم ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا لا والله لا نقتله فذهبت عنهما ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما مما أبيتما علي إلا وقد فعلتماه حين سكرتما فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا " كذا رواه زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع ورواه سعيد بن سلمة عن موسى بن جبير .

 

162 - عن سالم بن عبد الله عن بن عمر عن كعب قال:" ذكرت الملائكة بني آدم وما يأتون من الذنوب قال فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني أرسل رسولي إلى الناس وليس بيني وبينكم رسل انزلا فلا تشركا بي شيئا ولا تسرقا ولا تزنيا" قال عبد الله :قال كعب : فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا فيه ما حرم عليهما وهذا أشبه أن يكون محفوظا

وروي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

 ومن قال بالقول الآخر أشبه أن يقول إذا كان التوفيق للطاعة والمعصية من الله عز وجل وجب أن يكون الأفضل من كان توفيقه له وعصمته إياه أكثر ووجدنا الطاعة التي وجودها بتوفيقه وعصمته من الملائكة أكثر فوجب أن يكونوا كذلك .

 

وذكر الحليمي رحمه الله توجيه القولين ولم أنقله واختار تفضيل الملائكة وأكثر أصحابنا ذهبوا إلى القول الأول والأمر فيه سهل وليس فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو به وبالله التوفيق

 165 - عن مجاهد عن بن عباس قال :"إن لله عز وجل ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى" .(حسن)

 


ليست هناك تعليقات: