9 - التاسع من شعب الإيمان
وهو باب في أن دار المؤمنين ومأواهم الجنة
ودار الكافرين ومآبهم
النار
قال الله عز وجل:( بلى من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، والذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) وقال تعالى في وصفه يوم القيامة :(يوم يأت
لا تكلم نفس إلا بإذنه) قرأ إلى قوله تعالى:( عطاء غير مجذوذ) ، وقوله
تعالى:( إلا ما شاء ربك) يريد به - والله أعلم - من وقفهم حيث كانوا فيه إلى أن حوسبوا ووزنت
أعمالهم ، وسيق كل فريق إلى حيث قضي له به .
وقوله :(ما دامت السماوات والأرض) يريد به
التأبيد على ما كانت العرب تعرف من طول مقامها فكأن يعبر عن التأبيد بدوامها
وقيل : معناه ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها ، وإلا بمعنى سوى وذلك يحسن إذا
كان المستثنى أكثر من المستثنى منه كرجل يقول لفلان علي ألف درهم إلا ألفين التي
هي إلى سنة يريد سوى الألفين .
- 359عن جابر بن عبد
الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله وهو لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك
به شيئا دخل النار" وذكر الحديث في رواية أبي طاهر وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل
الجنة ومن لقيه يشرك به دخل النار" ورواه مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر عن
أبي عامر
قال الحليمي رحمه الله :إذا ظهر أن مآب المسلمين
الجنة ومآب الكافرين النار فقد قال الله عز وجل:
( إن كتاب الفجار لفي سجين ) و ( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) كان المعنى ما كتب لهؤلاء ولهؤلاء علمنا إن
السجين خلاف العليين كما أن الفجار خلاف الأبرار وسمي الله جل ثناءه النار الهاوية
ووصف الجنة أنها عالية وجاء في الحديث " أن روح المؤمن يعلى به، وروح
الكافر يهوى به " ولم نعلم أحدا قال إن الجنة في الأرض، ثبت أن الجنة فوق
السماوات ودون العرش ويحتمل قول الله عز وجل :(وإذا السماء كشطت) أنها تكشط
عما وراءها من الجنان ننظر آثارها وأن يكون ذلك إزلافها في قوله:( وأزلفت الجنة
للمتقين ).
قال الحليمي رحمه الله : وفي ورود الأخبار بذكر
الصراط وهو جسر جهنم بيان أن الجنة في العلو كما أن جهنم في السفل إذ لو لم يكن
كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى جسر
قال:
وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:" إن على جهنم جسرا أدق
من الشعر وأحد من السيف أعلاه نحو الجنة
دحض(زلق) مزلة ، بجنبيه كلاليب، وحسك النار، يحبس الله به من يشاء من عباده، الزالون والزالات يومئذ كثير، والملائكة بجانبيه
قيام ينادون اللهم سلم اللهم سلم ، فمن جاء بالحق جاز ، ويعطون النور يومئذ على
قدر إيمانهم وأعمالهم، فمنهم من يمضي عليه كلمح البرق ، ومنهم من يمضي عليه كمر
الريح، ومنهم من يمضي عليه كمر الفرس
السابق ، ومنهم من يسير عليه ، ومنهم من يهرول ، ومنهم من يعطي نورا إلى موضع
قدميه ، ومنهم من يحبو حبوا وتأخذ النار منه بذنوب أصابها وهي تحرق من يشاء الله
منهم على قدر ذنوبهم ، حتى تنجو وتنجو أول أول زمرة سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا
عذاب كأن وجوههم القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم كأضواء نجم في السماء حتى
يبلغوا إلى الجنة برحمة الله تعالى".
قال
البيهقي رحمه الله وهذا الحديث فيما
361 - ... عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك حدث عن
النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قال
البيهقي رحمه الله وهذا اسناد ضعيف غير أن معنى بعض ما روي فيه موجود في الأحاديث
الصحيحة التي وردت في ذكر الصراط وقد ذكرناها في كتاب البعث .
قال الحليمي رحمه الله : قوله في الصراط إنه أدق
من الشعرة معناه أن أمر الصراط والجواز عليه أدق من الشعر أي يكون عسره ويسره على
قدر الطاعات والمعاصي ولا يعلم حدود ذلك إلا الله عز وجل لخفائها وغموضها وقد جرت
العادة بتسمية الغامض الخفي دقيقا وضرب المثل له بدقة الشعرة وقوله إنه أحد من
السيف فقد يكون معناه والله أعلم أن الأمر الدقيق الذي يصدر من عند الله إلى
الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نفاذ حد السيف ومضيه منهم إلى طاعته
وامتثاله ولا يكون له مرد كما أن السيف إذا نفذ بحده وقوة ضاربه في شيء لم يكن له
بعد ذلك مرد.
قال
البيهقي رحمه الله: وهذا اللفظ من الحديث لم أجده في الروايات الصحيحة.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال :" الصراط
في سواء جهنم مدحضة مزلة كحد السيف المرهف"
.
وروي عن
سعيد بن أبي هلال أنه قال: بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو الجسر يكون على بعض الناس أدق
من الشعر وعلى بعضهم مثل الدار والوادي الواسع.
فيحتمل
أن يكون لشدة مروره عليه وسقوطه عنه يشبه بذلك والله أعلم .
وأما ما قيل في رواية أنس من " أن أعلى
الجسر نحو الجنة " ففيه بيان أن أسفله نحو طرف الأرض وذلك لما مضى بيانه من
أن جهنم سافلة والجنة عالية .
قال غيرهم: إنهم يركبون الصراط (أي الكفار) ثم قد تكون أبواب جهنم فروجا في الحشر كأبواب
السطوح فهم يقذفون منها في جهنم ليكون غمهم أشد وأفظع، وإلقاؤهم من الجسر أخوف
وأهول وفرح المؤمنين بالخلاص أكثر وأعظم ، ولعل قول الله عز وجل :(وامتازوا
اليوم أيها المجرمون )
يكون في هذا الوقت ، وما في القرآن من قول الله
عز وجل :( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم ياتكم نذير ) ، وقوله:( ألقيا
في جهنم كل كفار عنيد ).
كالدليل
على هذا لأن الإلقاء في الشيء أكثر ما يستعمل في الطرح من علو إلى سفل، والله أعلم بكيفية ذلك.
وأما
المنافقون فالأشبه أنهم يركبون الجسر مع المؤمنين ليمشوا في نورهم فيظلم الله عز
وجل على المنافقين فيقولون للمؤمنين :( انظرونا
نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور على قدر
إيمانهم وأعمالهم فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد (ضرب بينهم بسور له باب
باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم ) نصلي بصلاتكم
ونغزو مغازيكم (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم) .
فيحتمل والله أعلم أن هذا السور إنما يضرب عند
انتهاء الصراط ويترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنة فذلك هو الرحمة التي
في باطنه وأما ظاهره فإنه يلي النار وإن كانت النار سافلة عنه لا محاذية إياه ما دام
لم يجد المنافقون إلى باطن السور سبيلا فليس إلا أن يقذفوا من أعلي الصراط يهوون
إلى الدرك الأسفل من النار هذا باستهزائهم بالمؤمنين في دار الدنيا كما شرحنا في
كتاب الأسماء والصفات .
فصل في قوله عز وجل
(فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول
جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا) إلى قوله :( ونذر الظالمين فيها جثيا )
اختلف
أهل التفسير في معنى هذا الورود فذهب عبد الله بن عباس في أصح الروايتين عنه إلى
ان المراد به الدخول واستشهدوا بقوله عز وجل:( أنتم لها واردون لو كان هؤلاء
آلهة ما وردوها )
وبقوله :(
فأوردهم النار وبئس الورد المورود ).
والمراد
به في هذا الموضع الدخول، كذلك قوله:( إلا
واردها ) المراد به الدخول وذلك حين جادله نافع بن الأزرق، قال لنافع بن الأزرق : أما أنا وأنت فسندخلها
فانظر هل نخرج أم لا ؟
وروي عن عبد الله بن السائب عمن سمع بن عباس يقول:
هم الكفار ولا يردها مؤمن . وهذا منقطع والرواية الأولى عن بن عباس أكثر وأشهر.
وروينا
عن عبد الله بن رواحة أنه بكى وبكت امرأته لبكائه وقال: إني أعلم أني وارد النار
ولا أدري أناج منها أم لا؟
وروي عن السدي عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود أنه
حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" يرد الناس النار
ثم يصدرون بأعمالهم".
وفي
رواية أخرى عنه عن مرة عن عبد الله قال: يدخلونها أو قال يلجونها ثم يصدرون منها
بأعمالهم .
وفي رواية أبي الأحوص عن عبد الله قال:( وإن منكم إلا واردها ) قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر
الطائفة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود الإبل
والبهائم، يمرون والملائكة يقولون: رب سلم
سلم .
وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار في كتاب البعث .
وروينا عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:" لا يموت لمسلم ثلاثة
من الولد فيلج النار إلا تحله القسم " ثم قرأ سفيان ( وإن منكم إلا واردها ).
363 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن
جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سفيان بهذا الحديث .
قال البيهقي رحمه الله: وهو مخرج في الصحيح . وفي
رواية مالك عن الزهري في هذا الحديث فتمسه النار إلا تحلة القسم وهذا يؤكد قول من
قال المراد بالورود الدخول .
364 - عن أبي سمية قال اختلفنا في الورود بالبصرة
فقال قوم : لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون
يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا. فلقيت جابر بن
عبد الله فسألته فقال : يدخلونها جميعا فقلت إنا اختلفنا فذكر اختلافهم، قال فأهوى جابر بإصبعه إلى أذنه فقال : صمت إن
لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول:" الورود: الدخول لا
يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ، كما كانت على
إبراهيم عليه السلام ، حتى أن للنار أو قال
لجهنم ضجيجا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها
جثيا ".
قال البيهقي رحمه الله :هذا إسناد حسن ذكره
البخاري في التاريخ وشاهده في الحديث الثابت عن أبي الزبير عن جابر عن أم مبشر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال :"خامدة ".
قال أبو عبيد : وإنما أراد تأويل قوله :( وإن منكم إلا واردها ) فيقول وردوها ولم يصبهم من حرها شيء إلا ليبر
الله قسمه .
365 - عن أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة :"لا يدخل النار إن شاء
الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها " قالت : بلى يا رسول الله
فانتهرها فقالت حفصة :( وإن منكم إلا
واردها ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" فقد قال الله عز وجل :( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها
جثيا ) رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن عبد الله عن
حجاج بن محمد.
قال
البيهقي رحمه الله : وهذا يحتمل أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم إنما نفى عن
أصحاب الشجرة دخول النار دخول البقاء فيها أو دخولا يمسهم منها أذى لا أصل الدخول
ألا تراه احتج بقوله: (ثم ننجي الذين
اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) وقد
يكون المحفوظ في الحديث الأول رواية سفيان بن عيينة فيكون ذلك ولوجا من غير مس نار
وإصابة أذى. كما روينا عن خالد بن معدان وهو من أكابر التابعين أنه قال إذا دخل
أهل الجنة الجنة قالوا: يا رب ألم تعدنا أن نرد النار ؟ قال: بلى مررتم بها وهي خامدة
.
وروينا عن مقاتل بن سليمان أنه قال: يجعل الله
النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم عليه السلام .
قال البيهقي رحمه الله: وقد يكون هذا الورود من
وراء الصراط، كما قال أبو الأحوص ،عن عبد الله بن مسعود، وسماه باسم النار لأنه جسر جهنم، ومنه يلقي فيها
من يلقي ومنه تخطف الكلاليب من تخطف وعليه الحسك وألوان العذاب ما عليه، إلا أن
الله تعالى ينجي الذين اتقوا يعني بالجواز عنه ويذر الظالمين فيها جثيا أي في جهنم
جثيا على الركب بعد ما يلقي فيها من الصراط. والله أعلم .
وقد روينا في الحديث الثابت (أخرجه البخاري
ومسلم) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم في حديث الرؤية قال: فينصب
الجسر على جهنم، ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : "
دحض مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسك - يكون بنجد فيه شوك يقال له السعدان - فيمر المؤمن كطرف العين، والبرق وكالريح، و كأجاويد
الخيل، فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في
نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار "
وفي رواية عبد الله بن مسعود : فيمرون على قدر
أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه يجر يد وتعلق يد ويجر رجل وتصيب جوانبه
النار فيخلصون فإذا خلصوا قالوا الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك .
وذلك يبين ما قلناه في الورود أنه يحتمل أن يكون
المراد به المرور على الصراط والله أعلم .
368 - عن
مجاهد في قول الله عز وجل :( وإن منكم
إلا واردها ) قال: من حم من المسلمين
فقد وردها .
فصل في فداء المؤمن
370 - عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا
كان يوم القيامة دُفع إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فقيل له :هذا فداؤك من النار"
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن
أبي أسامة
371 - عن سعيد بن أبي بردة وعن عون بن عبد الله
أنهما شهدا أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله
مكانه النار يهوديا أو نصرانيا "
فقال عون ولم ينكر سعيد علي عون قوله – " فاستحلفه
عمر بالله الذي لا إله إلا هو " ثلاث مرات بأن أباه حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحلف. أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عفان عن
همام
قال البيهقي رحمه الله : وروينا في الحديث الثابت
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" لا
يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد
إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة ".
372 - ... ثنا شعيب عن أبي الزناد فذكره رواه
البخاري رحمه الله في الصحيح عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة.
قال
البيهقي رحمه الله: وروي ذلك أيضا من حديث
أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا
وفي رواية أخرى عنه:" ما منكم من رجل إلا له
منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله قال
فذلك قوله :(أولئك هم الوارثون) .
قال البيهقي رحمه الله: ويشبه أن يكون هذا الحديث
تفسيرا لحديث الفداء والكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة والمؤمن إذا أورث
على الكافر مقعده من النار يصير في التقدير كأنه فدي المؤمن بالكافر والله أعلم .
وذلك لا ينافي حديث الشفاعة فإن حديث الفداء وإن
ورد مورد العموم في كل مؤمن فيحتمل أن يكون المراد به كل مؤمن قد صارت ذنوبه مكفرة
بما أصابه من البلايا في حياته ففي بعض ألفاظه إن أمتي أمة مرحومة جعل الله عذابها
بأيديها فإذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل رجل من المسلمين رجلا من أهل
الأديان فكان فداؤه من النار وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تصر ذنوبه مكفرة في حياته
ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة والله أعلم .
374 - ..ثنا يحيى بن آدم قال :قال سفيان بن عيينة:
لما نزلت هذه الآية:( ورحمتي وسعت كل شيء ) مد إبليس عنقه فقال :أنا من
الشيء فنزلت:( فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون)
الأعراف 156 . قال: فمد اليهود والنصارى
أعناقها فقالوا :نحن نؤمن بالتوراة والإنجيل ونؤدي الزكاة قال : فاختلسها الله من
إبليس واليهود والنصاري فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال :( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل )
الآية .
فصل في أصحاب الأعراف
قال
البيهقي رحمه الله : روينا عن بن عباس أنه قال : الأعراف هو الشيء المشرف.
وروينا
عن حذيفة بن اليمان أنه قال: أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت
بهم سيئاتهم عن الجنة ، فإذا (صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا
تجعلنا مع القوم الظالمين) فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم قوموا
فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم .
وروي ذلك مرفوعا بمعناه.
وفي حديث
علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله :( وبينهما
حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم )
قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه وأهل الجنة ببياض الوجوه قال : والأعراف
هو السور بين الجنة والنار وقوله :( لم
يدخلوها وهم يطمعون ) قال: هم رجال
كانت لهم ذنوب عظام وكان جسيم أمرهم لله عز وجل يقومون على الأعراف فإذا نظروا إلى
الجنة طمعوا أن يدخلوها وإذا نظروا إلى النار تعوذوا بالله منها فأدخلهم الله
الجنة فذلك قوله:( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) يعني أصحاب
الأعراف ،( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم
ولا أنتم تحزنون )
وأما قوله:( ونادى أصحاب الأعراف رجالا
يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) فهذا قولهم وهم على السور قبل أن يدخلوا الجنة
لرجال من الكفار ثم ينظرون إلى أهل الجنة فيرون فيها الضعفاء والمساكين ممن كان
يستهزىء بهم الكفار في الدنيا فينادونهم يعني فينادون الكفار (أهؤلاء )يعني
الضعفاء والمساكين( الذين أقسمتم) يعني حلفتم إذ أنتم في الدنيا (لا
ينالهم الله برحمة ) يعني الجنة ويقول الله لأصحاب الأعراف:( ادخلوا الجنة
لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) هكذا فسره الكلبي فيما رواه عن أبي صالح عن بن
عباس.
وقال
مقاتل بن سليمان هذا قول أصحاب الأعراف لرجال من أهل النار في النار (يعرفونهم
بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) فأقسم أهل النار أن
أصحاب الأعراف داخلون النار معهم فقالت الملائكة الذين حبسوا أصحاب الأعراف على
الصراط (أهؤلاء) يعني أصحاب الأعراف (الذين أقسمتم ) يا أهل النار
لا ينالهم الله برحمة وهم داخلون النار معكم ( آدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا
أنتم تحزنون) بالموت وهذا القول أشبه بما روينا عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس
وأمر أصحاب الأعراف على الأصل الذي قدمنا ذكره وهو أن من وافى القيامة مؤمنا
ولسيئاته وزن في ميزانه وهو بين أن يغفر له من غير تعذيب وبين أن يعذب بقدر ذنوبه
ثم يغفر له فقد يكون منهم من لا يدخل الجنة في الحال ولا يدخل النار ولكن يحبس على
الأعراف وهو السور- قال مقاتل على الصراط فإذا أراد الله دخولهم الجنة أمرهم
بدخولها برحمته أو بشفاعة الشفعاء والله أعلم .
فصل
فيما يحق
معرفته في هذا الباب أن تعلم أن الجنة والنار مخلوقتان معدتان لأهلهما قال الله عز
وجل في الجنة:( أعدت للمتقين) وقال في النار :( أعدت للكافرين ) والمعدة
لا تكون إلا مخلوقة موجودة وقال في الجنة:( وجنة عرضها السماوات والأرض)
والمعدوم لا عرض له .
377 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول الله عز
وجل :أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ثم قرأ:( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )
أخرجاه في الصحيح من حديث أبي معاوية . وأخرجه مسلم من حديث بن نمير
378 - عن نافع عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا مات أحدكم
عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل
النار فمن أهل النار" رواه البخاري رحمه الله في الصحيح عن أحمد بن يونس.
وأخرجاه من حديث مالك عن نافع .
قال البيهقي رحمه الله : وفيه من الزيادة يقال :"هذا
مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" وفي رواية سالم عن بن عمر "إن
كان من أهل الجنة فالجنة وإن كان من أهل النار فالنار" .
379 - عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال:" لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل عليه
السلام إلى الجنة، فقال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فذهب فنظر
إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها،
فأمر بالجنة فحفت بالمكاره، فقال :ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال:
فنظر إليها ثم رجع، فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد . قال: ثم أرسله إلى
النار ، قال :اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ،قال :فنظر إليها فإذا
هي تركب بعضها بعضا، ثم رجع ،فقال: وعزتك لا يدخلها أحد يسمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال : اذهب فانظر
إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فنظر إليها فرجع، فقال : وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا
دخلها".
قال
البيهقي رحمه الله : وهذا باب كبير الأخبار فيها كثيرة وقد ذكرناها في الجزء
الثامن من كتاب البعث وذكرنا في الآخر بعده ما ورد من الآثار والأخبار في صفة
الجنة وعددها وصفة النار وعددها فأغنى ذلك عن الإعادة ها هنا.
ودل
الكتاب ثم السنة على أن عدد الجنان أربعة وذلك لأنه قال في سورة الرحمن :(ولمن
خاف مقام ربه جنتان ) ثم وصفهما ، ثم قال:( ومن دونهما جنتان) ثم
وصفهما.
وروينا
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" جنتان من ذهب
آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما "وفي رواية أخرى :"جنتان
من ذهب للسابقين ، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين" .
وذكر بعض
أهل العلم أن جنة المأوى اسم للجميع وكذلك جنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد ودار
السلام ويشبه أن يكون الفردوس أيضا اسما للجميع.
وقد قيل
هي اسم لأعلاهن درجة ، وأما أبواب الجنة فهن ثمانية روينا ذلك في حديث عمر وسهل بن
سعد وغيرهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم وروينا عن عتبة بن عبدالسلمي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" وإن لها - يعني الجنة- ثمانية أبواب ،ولجهنم سبعة أبواب" وقد قال
الله عز وجل في جهنم:( لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم )
وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال: أبواب جهنم
هكذا يعني بابا فوق باب.
وروينا في حديث مرسل أنها سبعة أبواب : جهنم ولظى
والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية .
وقال بعض أهل العلم: جهنم اسم لجميع الدركات
ودركاتها سبع ، فذكر هذه وذكر معهن الحريق.
وأما
إكرام الله المؤمنين بالنظر إليه فقد ذكرناه في كتاب الرؤية مع ما ورد فيه من
الكتاب والسنة من أراد معرفته نظر فيه إن شاء الله .
380 - عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم بارزا يوما
للناس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ فقال :" الإيمان: أن تؤمن بالله
وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث " وذكر الحديث أخرجه البخاري
ومسلم في الصحيح قال أبو سليمان قوله أن تؤمن بلقائه فيه إثبات رؤية الله عز وجل
في الدار الآخرة .
381 - عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :"يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل
النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل
الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت كل
خالد فيما هو فيه " ورواه البخاري عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم من
حديث محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده وفيه من الزيادة:" ذبح الموت
بين الجنة والنار "وقد أخرجناه في كتاب البعث .
382 - عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل
النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون وكلهم قد رآه فيقولون : نعم
هذا الموت، ثم يؤخذ فيذبح ثم يقال: يا أهل
الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت " قال: وذكر قول الله عز
وجل:( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة) قال: أهل الدنيا في
غفلة لفظ حديث يعلى .
ورواه مسلم في الصحيح عن عثمان بن أبي شيبة .
385 - عن أحمد بن حنبل قال : سبحانك ما أغفل هذا
الخلق عما أمامهم ! الخائف منهم مقصر، والراجي منهم متوان .
ومما يحق معرفته في قول الله عز وجل:( كلما
نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب )
387 - عن الفراء قال: يقال أبدلت الخاتم بالحلقة
إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما.
قال ثعلب
: وحقيقة بدلت إذا غيرت الصورة إلى صورة غيرها والجوهرة بعينها، و"أبدلت"
إذا نحيت الجوهرة وجعلت مكانها جوهرة أخرى.
قال أبو
عمر: فعرضت هذا الكلام على محمد بن يزيد المبرد فاستحسنه وقال لي : قد بقيت فيه
فاصلة أخرى قلت: وما هي أعزك الله قال: هي أن العرب قد جعلت بدلت بمعنى أبدلت وهو
قول الله عز وجل :(فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) الفرقان 70 ، ألا ترى
أنه تعالى قد أزال السيئات وجعل مكانها الحسنات وأما ما شرط أحمد بن يحيى وهو ثعلب
وهو بمعنى قوله عز وجل :(كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) قال :فهذه
في الجوهرة وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها لأنها كانت ناعمة فاسودت بالعذاب فردت
صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة والجوهرة واحدة والصور مختلفة.
قال
البيهقي رحمه الله وروينا في كتاب البعث عن الحسن البصري أنه قال في هذه الآية
تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا .
388 - عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ضرس الكافر في النار مثل أحد وغلض
جلده مسيرة ثلاث" رواه مسلم في الصحيح عن سريج بن يونس .
وروينا في كتاب البعث عن المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكافر قال :"يعظم للنار حتى يصير جلده
أربعين باعا وحتى يصير نابا من أنيابه مثل أحد " .
فصل في عذاب القبر
وكل معذب
في الآخرة من كافر ومؤمن فإنه يميز بينه وبين من لاعذاب عليه عند نزول الملائكة
عليه بقبض روحه ، وفي حال القبض وفي الموضع الذي يصار إليه روحه وبعد ما يقبر قال
الله عز وجل :(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) الآية وما بعدها قال
مجاهد: ذلك عند الموت .
وقال في الكفار:( ولو ترى إذ يتوفى الذين
كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) أي يقولون لهم هذا
تعريضا لهم إياهم بأنهم يقدمون على عذاب الحريق وقال:( ولو ترى إذ الظالمون في
غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) الآية فدلت هذه الآيات على أن الكفار
يعنف عليهم في نزع أرواحهم وإخراج أنفسهم ويعرفون مع ذلك أنهم قادمون على الهون
والعذاب الشديد كما يرفق بالمؤمنين ويبشرون بما هم قادمون عليه من الأمن والنعيم
المقيم قال الله عز وجل:( يثبت الله الذين آمنوا) إبراهيم 27 الآية.
وروينا
عن البراء بن عازب وأبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أن ذلك في
المؤمن إذا سئل في قبره وكذلك روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جاء في التفسير عن بن عباس وقال الله
تعالى
:(وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون
عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة )الآية
وقال مجاهد: يعني بقوله يعرضون عليها غدوا وعشيا
ما كانت الدنيا، وقال قتادة: يقال لهم يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا وصغارا
ونقمة وقال في المنافقين :(سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) وقال
قتادة :عذاب في القبر وعذاب في النار .
وقال فيمن أعرض عن ذكر الله:( ومن أعرض عن
ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) وروينا عن أبي سعيد الخدري
وأبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم وموقوفا عليهما ثم عن بن مسعود
وبن عباس من قولهما أن ذلك في عذاب القبر.
وروينا
عن عطاء في قوله :(إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) قال ضعف الممات
عذاب القبر.
وروينا
عن بن عباس في قوله:( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك) قال :عذاب يوم
القيامة .
390 - عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر
ولما يلحد قال : فجلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا
الطير وفي يده عود ينكت به قال: فرفع رأسه وقال:" استعيذوا بالله من عذاب
القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه
ملائكة من السماء بيض الوجوه وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من
كفن الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول
أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج نفسه فتسيل كما
تسيل القطرة من فم السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين، حتى
يأخذها فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، وتخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك
وجدت على ظهر الأرض ، فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الريح الطيبة؟
فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه الذي
كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له فيشيعه من
كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله
عز وجل: اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها
خلقتهم ،وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه،
فيقولان: من ربك ؟ فيقول : ربي الله فيقولان: وما دينك؟ فيقول : ديني الإسلام، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله
عز وجل فآمنت به وصدقت قال: فينادي مناد
من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا من
الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه ،
طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك ، فهذا يومك الذي كنت توعد، فيقول : من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة ، حتى أرجع
إلى أهلي ومالي ، وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الآخرة، وإقبال من الدنيا، نزل إليه من السماء ملائكة
سود الوجوه، معهم المسوح حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يأتيه ملك الموت، فيجلس عند
رأسه، فيقول : أيتها النفس الخبيثة آخرجي إلى سخط الله وغضبه ، قال: فتفرق في جسده فينتزعها، ومعها العصب ، والعروق ، كما ينتزع السفود من
الصوف المبلول، فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح قال : ويخرج منها انتن من جيفة
وجدت على وجه الأرض، فلا يمرون بها على
ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان
يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى
السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا تفتح لهم أبواب السماء) إلى آخر الآية ، قال:
فيقول الله تبارك وتعالى: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى وأعيدوه
إلي الأرض، فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم، ومنها نخرجهم تارة أخرى، قال: فتطرح
روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم :( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء) الآية ثم تعاد روحه في جسده،
فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري، فيقولان له : ما دينك؟
فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما
هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هاه هاه
لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب،
فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار ، فيأتيه من حرها
وسمومها، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف فيه
أضلاعه قال: ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك
الذي كنت توعد قال: فيقول: من أنت؟ فوجهك
الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول : أنا عملك
الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة ،رب لا تقم الساعة "
قال البيهقي رحمه الله: هذا حديث صحيح
الإسناد وقد ذكرنا سوى هذا من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك
وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم عن النبي صلى
الله عليه وسلم
قال الشيخ الألباني في « صحيح الجامع الصغير» 1667 : صحيح
ورواه عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء
عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه اسم الملكين فقال في ذكر المؤمن :"
فيرد إلي مضجعه فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهم ويلحقان الأرض
بأشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثم يقال له :يا
هذا من ربك؟ " فذكره . وقال في ذكر الكافر:" فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما
ويلحقان الأرض بأشفاههما ، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيجلسانه ثم يقولان له:
يا هذا من ربك؟ فيقول: لا أدري ، فينادي من جانب القبر ،لا دريت
ويضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يقلوها ، يشتعل منها
قبره نارا ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه "
قال البيهقي رحمه الله: وروي عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه اسم الملكين كذلك .
وروينا في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أشعرت أنه أوحي إلي أنكم
تفتنون في القبور"
وروينا
عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال:" قد أوحي إلي أنكم
تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال".
وروينا
عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار كثيرة أنه كان يستعيذ بالله من عذاب
القبر ومن فتنة القبر .
وروينا عن نافع عن صفية امرأة بن عمر عن عائشة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:" إن للقبر ضغطة لو نجا
منها أحد لنجا سعد بن معاذ "
392 - ...عن سعد بن إبراهيم عن نافع فذكره .
قال البيهقي رحمه الله: وروينا في حديث آخر أن
ذلك لأنه كان يقصر في بعض الطهور من البول
وفي سياق الأحاديث التي وردت في قبض المؤمن
والكافر دلالة على أنهم يعبرون بالنفس عن الروح وأنهما عبارتان عن شيء واحد
والبنية ليست من شرط الحياة والله تعالى قادر على إعادة الحياة في الأجزاء
المتفرقة أو في بعضها وتعذيب ما شاء منها إلى الوقت الذي شاء وليس علينا إلا طاعة
الله بالتسليم لما جاء به رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبالله التوفيق .
393 - عن هانئ مولى عثمان قال :كان عثمان بن عفان
إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من
هذا ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال:" القبر أول منازل
الآخرة ، فإن ينج منه، فما بعده أيسر منه،
وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه ،وقال: والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع
منه ".
394 - عن
أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج حين وجبت الشمس فقال:" هذه
أصوات يهود تعذب في قبورها " أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن
شعبة بن الحجاج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق