52 - الثاني والخمسون من شعب الإيمان
وهو باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله عز وجل:" ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" فأمر في
هذه الآية نصا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثنى في آية أخرى على الآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر فقال :" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر " وقال في الآية التي وصف بها المؤمنون :" الآمرون
بالمعروف والناهون عن المنكر" ووصف قوما لعنهم من بني إسرائيل فذكر أنهم :"
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه " أي لم يكن ينهى بعضهم بعضا فروي في
ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني
7142 - عن بن بريدة عن أبيه قال لما قدم جعفر بن
أبي طالب من أرض الحبشة لقيه النبي صلى
الله عليه وسلم فقال :" أخبرني
بأعجب شيء رأيته بأرض الحبشة "فقال: مرت امرأة على رأسها مكتل فيه طعام
فمر بها رجل على فرس فأصابها فرمى بها فجعلت أنظر إليها وهي تعيده في مكتلها وهي
تقول ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال:" كيف تقدس أمة لا
تأخذ لضعيفها من شريفها حقه وهو غير متعتع؟ ".
7144 - عن قيس قال نا أبو بكر رضي الله عنه بعد
أن حمد الله وأثنى عليه : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها:"
عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون
على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب" لفظ حديث
هشيم
وفي
رواية يزيد أن الناس إذا رأوا الظالم لم يأخذوا على يديه أوشكوا أن يعمهم الله
بعقاب .
7149 - عن مكحول عن أنس بن مالك قيل: يا رسول
الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال:" إذا ظهر فيكم ما ظهر
في بني إسرائيل قبلكم" قالوا :وما ذاك يا رسول الله قال :" إذا
ظهر الادهان في خياركم والفاحشة في شراركم والفقه في رذالكم ".
7150 - نا بن عابد نا الهيثم فذكره بإسناده وزاد
فيه "وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم ".
7151 - عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح
لكم فمن أدرك ذلك فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار ".
7152 - عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي
بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه
ثم تدعونه فلا يستجيب لكم "
قال الإمام أحمد رحمه الله فثبت بالكتاب والسنة
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم إن الله تعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين لأنه قال :" المنافقون
والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف " وقال :"
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
"
فثبت
بذلك أن أخص أوصاف المؤمنين وأقواها دلالة على صحة عقدهم وسلامة سريرتهم، هو الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم إن ذلك ليس يليق بكل أحد ، ولايجب علي كل أحد، وإنما
هو من الفروض التي ينبغي أن يقوم بها سلطان المسلمين إذا كانت إقامة الحدود إليه، والتعزيز موكولا إلى رأيه، فينصب في كل بلد، وفي كل قرية رجلا صالحا قويا
عالما أمينا ، ويأمره بمراعاة الأحوال التي تجري، فلا يرى ولا يسمع منكرا إلا غيره ولا يبقى
معروفا محتاجا إلى الأمر به إلا أمره ، وكلما وجب على فاسق حدا أقامه ولم يعطله،
فإنه لاشئ أردع للمفسدين من إقامة حدود
الله عليهم ، ولا يتعدي المشروع ، فاللذي شرعه أعلم بطريق سياستهم.
قال : وكل
من كان من علماء المسلمين الذين يجمعون بين فضل العلم وصلاح العمل فعليه أن يدعو
إلى المعروف، ويزجر عن المنكر بمقدار طاقته، فإن كان يطيق إبطال المنكر ورفعه وردع
المتعاطي له عن فعله ، وإن كان لا يطيق ذلك بنفسه، ويطيقه بمن يستعين عليه فعله،
إلا ما كان طريقه طريق الحدود والعقوبة ، فإن ذلك إلى السلطان دون غيره، وإن كان
لا يطيق إلا القول قال ، وإن لم يطق إلا الإنكار بالقلب أنكر ، والأمر بالمعروف في
مثل النهي عن المنكر إن اتسع للعالم المصلح أن يدعو إليه ، ويأمر به فعل ، وإن لم
يقدر إلا على القول قال ، وإن لم يقدر إلا على الإرادة بقلبه أراده ، وتمنى على
الله عز وجل فلعله أن يستعيضه به .
7153 - عن طارق بن شهاب أن مروان خطب يوم العيد
قبل الصلاة فقام إليه رجل فقال إنما الصلاة قبل الخطبة قال ترك ذلك يا أبا فلان
فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكرا فلينكر بيده فإن
لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف " الإيمان أخرجه مسلم في
الصحيح من حديث شعبة.
وروينا عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من نبي بعثه الله في أمته إلا
كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف خلوف
يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم
بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل "
7154 - عن بن مسعود بهذا الحديث رواه مسلم عن
عمرو الناقد وغيره
قال الإمام أحمد رحمه الله: وهذا لا يخالف ما روينا في حديث الإيمان أعلاها
شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق لأن الأدنى غير الأضعف
فإن للأدنى اسم لما يتباعد من معان القرب وإن كان مرجعه في المبنى إليها والأضعف
اسم لما يظهر وجه القربة فيه ويخلص له ولكن يكون من نوعه ما هو أقوى وأبلغ منه .
7155 - عن الزهري عن السائب بن يزيد أن رجلا قال
لعمر بن الخطاب لأن أخاف في الله لومة لائم خير لي أم أقبل على نفسي فقال أما من
ولي من أمر المسلمين شيئا فلا يخاف في الله لومة لائم ومن كان خلوا فليقبل على
نفسه ولينصح لولي أمره .
قال الحليمي رحمه الله ينبغي أن يكون الآمر
بالمعروف والناهي عن المنكر مميزا برفق في موضع الرفق ويعنف في موضع العنف ويكلم
كل طبقة من الناس بما يعلم أنه أليق بهم وأنجع فيهم وأن يكون غير محابي ولا مداهن
وأن يصلح نفسه أولا ويقومها ، ثم يقبل على إصلاح غيره وتقويمه قال الله عز وجل :"
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ".
7159 - أنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال : إذا أزرى
أحدكم على نفسه فلا يقولن ما في خير فإن فينا التوحيد ولكن ليقل : قد خشيت أن
يهلكني ما في من الشر، وما أحسب أحدا يفرغ
لعيب الناس إلا عن غفلة غفلها من نفسه ولو اهتم لعيب نفسه ما تفرغ لعيب أحد ولا
لذمه.
قال الحليمي رحمه الله : والسلطان الذي يتعاطى
الفواحش يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لأن السلطنة هي هذا فلو انقبضت يده عنه لم
يكن سلطانا ، وليس من دونه في هذا مثله ، لأن القيام بهذا الأمر إنما يصير له عند
إمساك السلطان عنه لعلمه وصلاحه، فإذا
اختل صلاحه فقد صار مستحقا للتغيير عليه فلا يكون مع ذلك مغيرا على غيره .
7161 - عن شقيق قال قيل: لأسامة بن زيد ألا تكلم
فلانا قال :والله لا أقول لرجل إنك خير الناس وإن كان علي أميرا بعد أن سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى
في النار فتنزلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل
النار فيقولون: يا فلان مالك ما أصابك، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال
كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه "أخرجاه في الصحيح
من حديث الأعمش .
7165 - عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :" لا
يمنعن أحدكم مهابة أن يتكلم بحق إذا علمه " قال أبو سعيد : فما زال بنا البلاء حتى قصرنا
وإنا لنبلغ في السر قال شعبة وحدثني أبو مسلمة
7166 - عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :" لا يمنعن أحدكم أن يقول في الحق إذا
رآه وعلمه " قال أبو سعيد حملني
هذا الحديث أن ركبت إلى معاوية ووعظته ثم أقبلت.
7168 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله عز وجل يسأل العبد يوم
القيامة فيقول ما لك إذا رأيت المنكر فلم تنكره" - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإذا لقن الله عبدا حجته- : فيقول: يا رب خفت الناس ورجوتك"
قال
الإمام أحمد ويحتمل أن يكون هذا فيمن يخاف سطوتهم وهو يستطيع دفعها عن نفسه.
أحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
على من قدر عليهما بما قدر عليه وما في ترك ذلك
من الفساد
7169 - عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل الواقع في حدود الله والمداهن
فيها كمثل قوم استهموا في سفينة ، فأصاب بعضهم سفل ، وأصاب بعضهم علو ، وكان الذين
في السفل يستقون من العلو، فيمرون عليهم
فيؤذونهم فقال الذين في العلو: آذيتمونا تصبون علينا الماء فأخذوا فأسا فجعلوا
يحفرون في السفينة فقال الذين في العلو ما تصنعون فإن تركوهم وما يريدون غرقوا
جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا" أخرجه البخاري في الصحيح من حديث الأعمش .
7170 - عن الأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير
قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :" خذوا على أيدي سفهائكم
" .
7171 – عن إياد بن لقيط قال : حدثتني ليلى امرأة بن
الخصاصية وكان اسمه قبل زحما فسماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم بشيرا قال:
حدثني بشير أنه سأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن صوم الجمعة وأن لا يكلم ذلك
اليوم أحدا قال: فقال له : "لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام كنت تصومها أو
في شهر وأن لا تكلم أحدا فلعمري لأن تكلم فتأمر بالمعروف أو تنهى عن منكر خير من
أن تسكت"
7174 - عن طارق بن شهاب قال: سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أي الجهاد أفضل قال: "كلمة عدل عند
إمام جائر" . قال الشيخ الألباني في « صحيح الجامع الصغير» 1100 : صحيح
.
7183 - عن الأعمش عن عمارة بن الربيع بن عملية نا عبد
الله حدثنا ما سمعنا حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد
فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم وكان
الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا
يعلمون
فقال اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن
تابعوكم عليه فاتركوهم وإن خالفوكم فاقتلوهم قال لا بل ابعثوا إلى فلان رجل من
علمائهم فإن تابعكم لم يختلف عليكم أحد وإن خالفكم فاقتلوه فلن يختلف عليكم أحد
بعده فأرسلوا إليه فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله ثم أدخلها في قرن ثم علقها في
عنقه ثم لبس عليها الثياب ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب فقالوا أتؤمن بهذا فأشار
إلى صدره يعني الكتاب الذي في القرن فقال آمنت بهذا وما لي لا أومن بهذا فخلوا
سبيله .
قال وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه
فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن في جوفه الكتاب فقالوا ألا ترون إلى قوله آمنت بهذا
وما لي لا أومن بهذا فإنما عنى بهذا هذا الكتاب الذي في القرن قال فاختلفت بنو
إسرائيل على بضع وسبعين فرقة خير مللهم أصحاب ذي القرن.
قال عبد
الله: وإن من بقي منكم سيرى منكرا وبحسب امرئ يرى منكرا لا يستطيع أن يغيره أن
يعلم الله من قلبه أنه له كاره .
7192 - عن زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه وهو يقول :" لا إله
إلا الله "- ثلاث مرات – "ويل للعرب من شر قد اقترب فتح من ردم
يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق حلقة باصبعه" قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا
الصالحون قال:" نعم إذا كثر الخبث "أخرجاه في الصحيح من حديث
سفيان بن عيينة .
7194 - عن الحسين بن محمد عن عائشة قالت قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله
عز وجل بأهل الأرض بأسه قلت: يا رسول الله وفيهم أهل طاعته قال: " نعم
ثم يصيرون إلى رحمة الله ".
7196 - أنا الأوزاعي سمعت بلال بن سعد يقول: إن
المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة ،وفي رواية
بن بشران ان الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا عاملها وإذا ظهرت ضرت العامة ".
7199 - نا الأعمش عن زيد بن وهب قال :قيل
لعبدالله :هل لك في فلان تقطر لحيته خمرا فقال: إن الله عز وجل قد نهى أن نتجسس
فإن ظهر لنا نأخذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق