2 - الثاني من شعب الإيمان
وهو باب في
الإيمان برسل الله صلوات الله عليهم
عامة
اعتقادا وإقرارا إلا أن الإيمان بمن عدا نبينا
صلى الله عليه وسلم هو الإيمان
بأنهم كانوا مرسلين إلى الذين ذكروا لهم أنهم رسل الله إليهم وكانوا في ذلك صادقين
محقين.
والإيمان
بالمصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم هو التصديق بأنه نبيه ورسوله إلى الذين بعث
فيهم وإلى من بعدهم من الجن والإنس إلى قيام الساعة قال الله تعالى :" آمنوا بالله ورسوله " فقرن الإيمان برسوله بالإيمان به وقال :"والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله " وقال :
" إن
الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله " الآية إلى آخرها
وفي هذه الآية أن الله عز وجل جعل الكفر ببعض رسله كفرا بجميعهم، ثم جعل الكفر بجميعهم كفرا به ،وقال بعد ذلك:"
والذين آمنوا بالله ورسله " الآية فثبت أن حسن المآب إنما يكون لمن لم
يفرق بين رسل الله عز وجل وآمن بجماعتهم.
وقد
روينا في حديث بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال:" أن تؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر كله خيره وشره"
123 - عن يحيى بن يعمر عن بن عمر عن عمر رضي الله
عنهما بذلك أخرجه مسلم في الصحيح من حديث كهمس.
124 - عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام .
125 - عن
قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله
صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل
رديفه على الرحل فقال :"يا معاذ قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال: ما من عبد يشهد أن لا
إله إلا الله وإن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار قال يا رسول الله: أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال: إذا يتكلوا قال فأخبر بها
معاذ عند موته تأثما" رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن منصور .
132 - عن
عكرمة عن بن عباس في قوله عز وجل :"واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا
نبيا" قال : كان الأنبياء من بني
إسرائيل إلا عشرة نوح وصالح وهود ولوط وشعيب وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
ومحمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل
وعيسى فإسرائيل يعقوب وعيسى المسيح.
قال
البيهقي رحمه الله: والإيمان برسول الله
صلى الله عليه وسلم يتضمن الإيمان
له وهو قبول ما جاء به من عند الله عنه والعزم على العمل به لأن تصديقه في أنه
رسول الله إلزام لطاعته وهو راجع إلى الإيمان بالله والإيمان له لأنه من تصديق
الرسل ، وفي طاعة الرسول طاعة المرسل لأنه بأمره اطاعه قال الله تعالى:" من
يطع الرسول فقد اطاع الله"
قال: والنبوة اسم مشتق من النبأ وهو الخبر إلا أن
المراد به في هذا الموضع خبر خاص وهو الذي يكرم الله عز وجل به أحدا من عباده
فيميزه عن غيره بإلقائه إليه ويوقفه به على شريعته بما فيها من أمر ونهي ووعظ
وإرشاد ووعد ووعيد فتكون النبوة على هذا الخبر والمعرفة بالمخبرات الموصوفة
فالنبي
صلى الله عليه وسلم هو المخبر بها
فإن انضاف إلى هذا التوقيف أمر بتبليغه الناس ودعائهم إليه كان نبيا رسولا وإن
ألقي إليه ليعمل به في خاصته ولم يؤمر بتبليغه والدعاء إليه كان نبيا ولم يكن
رسولا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا
قال : وقد أرشد الله تعالى إلى أعلام النبوة في
القرآن كما أرشد إلى آيات الحدث الدالة على الخالق والخلق فقال عز اسمه :" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم
الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط "، وقال :"
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "،
وقال :" ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا
لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى "
فأخبر
تعالى انه بعث الرسل لقطع حجة العباد وقيل في ذلك وجوه:
أحدها
: ان الحجة التي قطعت على العباد هي أن يقولوا أن الله جل ثناؤه إن كان خلقنا
لنعبده فقد كان ينبغي أن يبين لنا العبادة التي يريدها منا ويرضاها لنا ما هي وكيف
هي فإنه وإن كان في عقولنا الاستجداء له والشكر على نعمه التي أنعمها علينا فلم
يكن فيها أن التذلل والعبودية منا بماذا ينبغي أن تكون وعلى أي وجه ينبغي أن تظهر
فقطعت حجتهم بأن أمروا ونهوا وشرعت لهم الشرائع ونهجت لهم المناهج فعرفوا ما يراد
منهم وزالت الشبهة عنهم.
والآخر: أن الحجة التي
قطعت هي ألا يقولوا إنا ركبنا تركيب شهوة وغفلة وسلط علينا الهوى ووضعت فينا الشهوات
فلو أمددنا بمن إذا سهونا نبهنا وإذا مال بنا الهوى إلى وجه قومنا لما كان منا إلا
الطاعة ولكن لما خلينا ونفوسنا ووكلنا إليها وكانت أحوالنا ما ذكرنا غلبت الأهواء
علينا ولم نملك قهرها وكانت المعاصي منا لذلك.
والثالث: أن الحجة التي
قطعت هي أن لا يقولوا قد كان في عقولنا حسن الإيمان والصدق والعدل وشكر المنعم
وقبح الكذب والكفر والظلم ولكن لم يكن فيها أن من ترك الحسن إلى القبيح عذب بالنار
خالدا مخلدا فيها وأن من ترك القبيح إلى الحسن أثيب بالجنة خالدا مخلدا فيها لأنه
إذا كان لا يدرك بالعقل أن لله جل جلاله خلقا هو الجنة أو خلقا هو النار الغائبة فكيف
يدرك أن أحدهما معد للعصاة والآخر لأهل طاعته
ولو
علمنا أنا نعذب على معاص وذنوب متناهية عذابا متناهيا أو غير متناه أو نثاب
بالطاعات المتناهية ثوابا غير متناه لما كان منا إلا الطاعة فقطع الله تبارك
وتعالى هذه الحجج كلها ببعثه الرسل وبالله التوفيق.
ثم إن
الحليمي رحمه الله تعالى ذكر فإن من ولد
أصم لم ينطق أبدا ومن سمع لغة ونشأ عليها تكلم بها فبان بهذا أن أصل الكلام سمع
وأن أول من تكلم من البشر تكلم عن تعليم ووحي كما قال الله عز وجل :"وعلم
آدم الأسماء كلها " وقال تعالى :"خلق الإنسان علمه البيان"
ثم إن
كل رسول أرسله الله تعالى إلى قوم فلم يخله من آية أيده بها وحجة آتاها إياه وجعل
تلك الآية مخالفة للعادات إذ كان ما يريد الرسول إثباته بها من رسالة الله عز وجل
أمرا خارجا عن العادات ليستدل باقتران تلك الأية بدعواه أنه رسول الله
والكذب على الله تعالى والافتراء عليه بدعوى
الرسالة من عنده من أعظم الجنايات فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر على من تعاطى
ذلك آية ناقضة للعادات فيفتتن العباد به وقد تبرأ الله عز وجل من هذا الصنيع نصا
في كتابه فقال يعني نبيه صلى الله عليه
وسلم :"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه
الوتين" قال : وكل آية آتاها الله رسولا فإنه يقرر بها عند الرسول أولا أنه
رسوله حقا ثم عند غيره ، وقد يجوز أن
يخصه بآية يعلم بها نبوة نفسه ثم يجعل له على قومه دلالة سواها.
ومعجزات
الرسل كانت أصنافا كثيرة وقد أخبر الله عز وجل أنه أعطى موسى عليه أفضل
الصلاة والسلام تسع آيات بينات العصا واليد والدم والطوفان والجراد والقمل
والضفادع والطمس والبحر ، فأما العصا فكانت حجته على الملحدين والسحرة جميعا وكان
السحر في ذلك الوقت فاشيا فلما انقلبت عصاه حية تسعى وتلقفت حبال السحرة وعصيهم
علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة وليست من جنس ما يتخيل بالحيل فجمع
ذلك الدلالة على الصانع وعلى نبوته جميعا وأما سائر الآيات التي لم يحتج إليها مع
السحرة فكانت دلالات على فرعون وقومه القائلين بالدهر فأظهر الله تعالى بها صحة ما
أخبرهم به موسى عليه أفضل الصلاة والسلام من أن له ولهم ربا وخالقا .
وألان الله عز وجل الحديد لداود وسخر له
الجبال والطير وكانت تسبح معه بالعشي والإشراق وأقدر عيسى بن مريم عليه
أفضل الصلاة والسلام على الكلام في المهد وكان يتكلم فيه كلام الحكماء وكان يحيى
له الموتى ويبرىء بدعائه أو بيده إذا مسح الأكمه والأبرص وجعل له أن يجعل من الطين
كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ثم أنه رفعه من بين اليهود لما أن
أرادوا قتله وصلبه فعصمه الله تعالى بذلك من أن يخلص ألم القتل والصلب إلى بدنه
وكان الطب عاما غالبا في زمانه فأظهر الله تعالى بما أجراه على يديه وعجز الحذاق
من الأطباء عما هو أقل من ذلك بدرجات كثيرة من أن التعويل على الطبائع وإمكان
ماخرج عنها باطل ، وأن للعالم خالقا ومدبرا ودل بإظهار ذلك له وبدعائه على صدقه
وبالله التوفيق.
وأما المصطفى
نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين صلوات الله عليهم وعليه وعلى آله
الطيبين وصحبه أجمعين فإنه أكثر الرسل آيات و بينات وذكر بعض أهل العلم أن أعلام
نبوته تبلغ ألفا فأما العلم الذي اقترن بدعوته ولم يزل يتزايد أيام حياته ودام في
أمته بعد وفاته فهو القرآن المعجز المبين الذي هو كما وصفه به من أنزله فقال :"وإنه
لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
41- 42 .
وقال تعالى :" إنه لقرآن كريم في كتاب
مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين "
وقال :" بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ "
وقال :" إن هذا لهو القصص
الحق "
وقال :"
وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " وقال:" كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره
في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة" وقال :"
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "
الإسراء 88 .
فأبان جل ثناؤه أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف
كلام البشر لأنه منظوم وليس بمنثور ونظمه ليس نظم الرسائل ولا نظم الخطب ولا نظم
الأشعار ولا هو كأسجاع الكهان وأعلمه أن أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله ثم أمره أن
يتحداهم على الإتيان بمثله إن ادعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنوه فقال تعالى:" قل
فأتوا بعشر سور مفتريات "
ثم نقصهم
تسعا فقال:" فأتوا بسورة من مثله " فكان ما يقصه من الأمر غير أن
من قبل ذلك دلالة وهي أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان غير مدفوع عند الموافق
والمخالف عن الحصافة والمتانة وقوة العقل والرأي ومن كان بهذه المنزلة وكان مع ذلك
قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس أن ائتوا
بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن ولن تستطيعوه إن أتيتم به فأنا كاذب وهو يعلم
من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه وإن ذلك إن
كان بطلت دعواه فهذا إلى إن نذكر ما بعده دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب أن أئتوا
بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوه إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه ولا يجوز
أن يكون هذا اليقين وقع له إلامن قبل ربه الذي أوحى إليه به فوثق بخبره وبالله
التوفيق .
وأما ما بعد هذا فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ائتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين
فطالت المهلة والنظرة لهم في ذلك وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت
صناديدهم وسبيت ذراريهم ونساؤهم وانتهبت أموالهم ولم يتعرض أحد لمعارضته فلو قدروا
عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم ولكان الأمر في ذلك قريبا
سهلا عليهم إذ كانوا أهل لسان وفصاحة وشعر وخطابة فلما لم يأتوا بذلك ولا ادعوه صح
أنهم كانوا عاجزين عنه وفي ظهور عجزهم بيان أنه في العجز مثلهم إذ كان بشرا مثلهم
لسانه لسانهم وعادته عادتهم وطباعه طباعهم وزمانه زمانهم وإذا كان كذلك وقد جاء
القرآن فوجب القطع بأنه من عند الله تعالى جده لا من عنده وبالله التوفيق.
فإن
ذكروا سجع مسيلمة فكل ما جاء به مسيلمة لا يعدو أن يكون بعضه محاكاة وسرقة وبعضه
كأساجيع الكهان وأراجيز العرب وقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقول ما هو
أحسن لفظا وأقوم معنى وأبين فائدة ثم لم تقل له العرب ها أنت تتحدانا على الإتيان
بمثل القرآن وتزعم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه
ثم قد جئت بمثله مفترى بأنه ليس من عند الله
وذلك قوله: أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب
وقوله :
تالله لولا الله ما اهتدينا ولا
تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت
الأقدام إن لاقينا
وقوله :
إن العيش عيش الأخره فارحم
الأنصار والمهاجره
وقوله : " تعس عبد الدينار والدرهم وعبد
الخميصة إن أعطي منها رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإن شيك فلا انتقش" فلم يدع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه
القرآن وأن فيه كثيرا كقوله .
133 - عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما:"
أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأن رق
له فبلغ ذلك أبا جهل فذكر ما جرى بينهما إلى أن قال الوليد والله ما فيكم رجل أعلم
بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيدته مني ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه
الذي يقول شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر
أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته" وذكر الحديث .
قال البيهقي رحمه الله :هكذا حدثناه موصولا ورواه
حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا
وذكر
الآية التي قرأها :" إن الله يأمر
بالعدل والإحسان".
وروينا
من وجه آخر عن بن عباس أتم من ذلك حين اجتمع الوليد بن المغيرة ونفر من قريش وقد
حضر الموسم ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم لوفود العرب فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل
وأقم رأيا نقوم به فقال : بل أنتم فقولوا أسمع. فقالوا : نقول كاهن فقال: ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة
الكاهن وسحره فقالوا : نقول هو مجنون فقال : ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون
وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته فقالوا : نقول شاعر قال: ما هو بشاعر
ولقد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا: فنقول هو ساحر قال : فما هو ساحر لقد
رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس قال:
والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا
إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين
المرء وبين أخيه وبين المرء وبين زوجه وبين المرء وبين عشيرته فتفرقوا عنه بذلك
فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة :"
ذرني ومن خلقت وحيدا "إلى
قوله :"سأصليه سقر ".
وفي
القرآن وجهان من الإعجاز:
أحدهما
: ما فيه من الخبر عن الغيب وذلك في قوله عز وجل :"ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون " وقوله :" ليستخلفنهم في الأرض" النور 55
وقوله في الروم الآيتان 3 و4 :" وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين "وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه
وبعده ثم كان كما أخبر ومعلوم أنه صلى
الله عليه وسلم كان لا يعلم النجوم ولا
الكهانة ولا يجالس أهلها.
والآخر:
ما فيه من الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادعي عليه فيها فيما وقع الخبر عنه
ممن كان من أهل تلك الكتب ومعلوم أنه صلى
الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ كتابا
ولا يخطه ولا يجالس أهل الكتاب للأخذ عنهم وحين زعم بعضهم أنه يعلمه بشر رد الله
تعالى ذلك عليه
فقال :"
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ".
ثم إن له
صلى الله عليه وسلم وراء القرآن من
الآيات الباهرة إجابة الشجرة إياه لما دعاها وتكلم الذراع المسمومة إياه وازدياد
الطعام لأجله حتى أصاب منه ناس كثير وخروج الماء من بين أصابعه في المخضب حتى توضأ
منه ناس كثير وحنين الجذع وظهور صدقه في مغيبات كثيرة أخبر عنها وغير هذه مما قد
ذكر ودون وفي الواحد منها كفاية غير أن الله جل ثناؤه لما جمع له بين أمرين أحدهما
بعثه إلى الجن والإنس عامة والأخر ختمه النبوة به ظاهر له بين الحجج حتى إن شذت
واحدة عن فريق بلغتهم أخرى وإن لم تنجع واحدة نجعت أخرى وإن درست على الأيام واحدة
بقيت أخرى ولله في كل حال الحجة البالغة وله الحمد على نظره لخلقه ورحمته إياهم
كما يستحقه
137 - قال سعيد
بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت
في يدي"
قال أبو
هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنتم تنتثلونها.
قال بن
شهاب : وبلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى جمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب
في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك رواه البخاري في الصحيح عن بن
بكير
وأخرجه
مسلم من حديث يونس عن بن شهاب.
138 ثنا جويرية بن بشير الهجيمي قال سمعت الحسن قرأ
يوما هذه الآية :" إن الله يأمر
بالعدل والإحسان" إلى آخرها ثم
وقف فقال إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك
العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من
معصية الله شيئا إلا جمعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق