8 - الثامن من شعب الإيمان
وهو باب في حشر الناس بعد ما يبعثون
من
قبورهم إلى الموقف الذي بين لهم من الأرض
فيقومون
ما شاء الله تعالى فإذا جاء الوقت الذي يريد الله محاسبتهم فيه أمر بالكتب التي
كتبتها الكرام الكاتبون بذكر أعمال الناس فأوتوها فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه
فأولئك هم السعداء ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو وراء ظهره وهؤلاء هم الأشقياء .
قال الله تعالى في المطففين :" ألا يظن
أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين" وأخبر أن الناس يكونون يوم القيامة واقفين على
أقدامهم وأبان أنه لا حال لهم يومئذ سوى القيام .
254 - عن
صالح بن كيسان ثنا نافع أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يقوم الناس يوم القيامة لرب العالمين
حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه "أخرجه مسلم في الصحيح من حديث
يعقوب .
255 -
المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول:" تدني
الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل "
قال سليم
بن عامر: فوالله ما أدري ما عنى بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين ؟
قال :" فيكون الناس على قدر أعمالهم في
العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه
ومنهم من يلجمه إلجاما "
قال : وأوما رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى فيه" رواه مسلم في الصحيح عن الحكم بن موسى.
قال الله
عز وجل :" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا
يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "، وقال عز وجل :" إن عليكم لحافظين كراما
كاتبين يعلمون ما تفعلون"، وقال
تعالى :" عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
"، وقال :" هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا
كنا نستنسخ ما كنتم تعملون "
وأخبر أن الذين يقرأون كتبهم يقولون :"مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا
كبيرة إلا أحصاها "، وأن من أوتي كتابه بيمينه فيقول :"هاؤم
أقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية وأما من أؤتي كتابه بشماله فيقول
ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية"
" فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب
حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا"
" وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف
يدعو ثبورا ويصلى سعيرا" .
وإذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي
يؤتونها حوسبوا بها ولعل ذلك والله أعلم لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين
لأعمالهم فإن الله عز وجل قال:" يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا
أحصاه الله ونسوه " فإذا ذكروها ووقفوا عليها حوسبوا .
256 - عن عدي بن حاتم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس
بينه وبينه حجاب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه ، وينظر
أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه ، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو
بشق تمرة " رواه البخاري في الصحيح عن يوسف بن موسى عن أبي أسامة .
وفي هذا دليل على أنه يحاسب المكلفين بنفسه وأنه
يخاطبهم معا ولا يخاطبهم واحدا بعد واحد وعلى هذا تدل سائر الآحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أن تكليمه أهل رحمته مما يزيدهم بشارة
وكرامة وتكليمه أهل عقوبته مما يزيدهم خسارة وحسرة .
قال الله تعالى :" ألم أعهد إليكم يا بني
آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " مع سائر ما ورد فيه من الكتاب
والسنة .
وقد قيل إنه يأمر ملائكته بمحاسبة الخلق بأمره، وقد قيل إنه يتولى حساب المؤمنين بنفسه ويأمر
الملائكة بمحاسبة الكفار وما دل عليه ظاهر ما ذكرناه من السنة الصحيحة وأشرنا إليه
أصح الأقاويل في ذلك والله أعلم.
وإذا انتهى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن
الوزن للجزاء
وقد أخبر الله عز وجل ثناؤه أن المحاسبة تكون
بشهادة النبيين والشهداء وقال تعالى
:" وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
"، وقال :" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد
وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "
فالشهيد
في هذه الآية النبي صلى الله عليه
وسلم وشهيد كل أمة نبيها ، وأما الشهداء
في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال تحضر الأمة ورسولها فيقال للقوم ماذا
أجبتم المرسلين ويقال للرسل ماذا أجبتم فيقول الرسل لله لا علم لنا إنك أنت علام
الغيوب وكأنهم نسوا ما أجيبوا به وتأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك
الساعة عن الجواب ثم يثبتهم الله ويحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم به أممهم.
قال
البيهقي رحمه الله: فإن كذبت أمة رسولها وقالت: ما أتانا من نذير
260 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال
هل بلغت ؟ فيقول: نعم فتدعى أمته فيقال هل بلغكم ؟ فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد قال:
فيقال من شهودك؟ قال : فيقول محمد وأمته. قال: فيؤتى بكم ، فتشهدون أنه قد بلغ. وذلكم قول الله عز وجل :(وكذلك جعلناكم أمة وسطا
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )" رواه البخاري في
الصحيح عن إسحاق بن منصور عن جعفر بن عون .
ورواه
أبو معاوية عن الأعمش فقال في الحديث:" يجيء النبي يوم القيامة، ومعه
الثلاثة والأربعة والرجلان حتى يجيء النبي وليس معه أحد، قال: فيقال لهم هل بلغتم؟ فيقولون : نعم، قال : فيدعي قومهم فيقال لهم هل بلغوكم ؟ فيقولون:
لا، قال فيقال للنبيين : من يشهد لكم أنكم
قد بلغتم؟ قال : فيقولون أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا قال: فيقال وما علمكم بهم أنهم قد بلغوا ؟ قال: فيقولون
جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه قال فيقال صدقتم قال : وذلك قول
الله عز وجل في كتابه :(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا )"
فهذا فيما بين كل نبي وقومه فأما كل واحد من القوم على الانفراد فالشاهد
عليه صحيفة عمله وكاتباها فإنه قد أخبر في الدنيا بأن عليه ملكين موكلين يحفظان
أعماله وينسخانها فأما إخبار الله عز وجل عن شهادة الجوارح على أهلها بقوله تعالى
:" يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" ،
وقوله :"وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون "،
" وقالوا
لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيء "،
وقوله: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا
أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون".
وروينا
في الحديث الثابت عن أنس بن مالك قال:" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال :" أتدرون مم أضحك؟ قال : قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من
مخاطبة العبد ربه بقوله: يا رب ألم تُجرني من الظلم ؟ قال: فيقول :بلى. قال: فيقول
إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا
وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه ويُقال لأركانه: انطقي .قال : فتنطق
بأعماله . قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام ،
فيقول: بُعدا لكن وسحقا
فعنكن كنت أناضل ".
262 - عن
فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك فذكره رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن
أبي النضر.
وروينا في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الرؤية قال:" فيلقى العبد فيقول
أي فُل
ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ قال: فيقول : بلى
أي رب قال فيقول: أظننت إنك ملاقي؟ فيقول:
لا ، فيقول: اليوم أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول: أي فُل فذكر في السؤال
والجواب مثل الأول ثم يلقى الثالث فيقول : مثل ذلك فيقول :آمنت بك وبكتابك وبرسولك
وصليت وصمت وتصدقت . فيقال: الآن نبعث شاهدنا عليك فيكفر في نفسه من الذي يشهد
عليه فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظمه بعمله ما كان.
ذلك
ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه "
263
- ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم بهذا الحديث وهو مخرج في كتاب مسلم.
وفيه
دلالة على أن بعضهم تشهد عليهم ألسنتهم وبعضهم ينكر فيختم على أفواهم وتشهد عليهم
سائر جوارحهم ويشبه أن يكون هذا الإنكار من المنافقين كما في خبر أبي هريرة ويشبه
أن يكون منهم وممن شاء الله ومن سائر الكافرين حين رأوا يوم القيامة فيغفر الله لأهل الإخلاص ذنوبهم، لا يتعاظم عليه
ذنب أن يغفره، ولا يغفر الشرك قالوا : إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فتعالوا حتى نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن
مشركين فقال الله عز وجل : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على
أفواههم فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فعند ذلك عرف المشركون ان
الله لا يكتم حديثا فذلك قوله:" يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو
تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ".
وهذا فيما روينا عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه
سئل عن ذلك فذكره وقد قال الله عز وجل في سورة زلزلت :" يومئذ تحدث
أخبارها ".
وروينا عن أبي هريرة مرفوعا أنه سئل عن هذه الآية
فقال أن تشهد على كل عبد وأمة بما عملوا على ظهرها فتقول عمل كذا وكذا في يوم كذا
وكذا فذلك أخبارها.
ودلت
الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه
وسلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون
الجنة بغير حساب وكثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا وكثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا
.
264 -
ثنا حصين قال سمعت سعيد بن جبير عن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير
حساب ثم دخل ولم يبين لهم فأفاض القوم فقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله
فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا على الإسلام فإنا نحن ولدنا في الجاهلية فبلغ ذلك
رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون
وعلى ربهم يتوكلون فقال عكاشة بن محصن: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: نعم ثم قال
رجل آخر : أنا منهم يا رسول الله؟ قال: قد سبقك بها عكاشة "رواه مسلم في
الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.ورواه البخاري عن عمران بن ميسرة عن بن الفضيل.
ورويناه
في حديث عمرو بن حزم عن النبي صلى الله
عليه وسلم :" إنه تغيب عنهم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة فقيل له في
ذلك قال إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا لا حساب عليهم وإني
سألت ربي في هذه الثلاثة الأيام المزيد فوجدت ربي واجدا ماجدا كريما فأعطاني مع كل
واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا قال قلت يا رب وتبلغ أمتي هذا قال أكمل لك العدد
من الأعراب ".
265 - عن
أيوب عن بن أبي ملكية عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :"من
حُوسب
عُذب" قالت عائشة: يا رسول الله فأين قوله :(فأما
من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال :"ذلكم العرض ولكنه
من نوقش الحساب عذب " رواه البخاري في الصحيح عن سليمان ورواه مسلم عن
أبي الربيع عن حماد .
267 - ثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال كنت آخذا
بيد عبد الله بن عمر فأتاه رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"
إن الله يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس
فيقول: أي عبدي، تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول
: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأي في
نفسه أنه قد هلك، قال : إني قد سترتها
عليك في الدنيا، وقد غفرتها لك اليوم ، قال : ثم أُعطي كتاب حسابه ، وأما الكافر
والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين
" رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن همام وأخرجاه من وجه آخر عن
قتادة.
268 - عن
أشعث ثنا شمر بن عطية في قوله :" إن ربنا لغفور شكور " قال :غفر
لهم الذنوب التي عملوها، وشكر لهم الخير
الذي دلهم عليه فعملوا به فأثابهم عملهم .
269 ثنا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت بن عمر يقول:" كل بن آدم خطاء
إلا ما رحم الله ".
270 - عن
الحسن يقول:" إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنوبه والله ما جازى الله عبدا
قط بالخير والشر إلا هلك ، ولكن الله إذا أراد بعبد خيرا أضعف له الحسنات ، وألقى
عنه السيئات ".
قال الحليمي رحمه الله : وإذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة
الله فيدخله الجنة بغير حساب فليس ببعيد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى سخط
الله فيدخله النار بغير حساب.
قال
البيهقي رحمه الله: وقد قال الله عز وجل
:"ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون" وقال
:" فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان" ، "
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " ، " يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ
بالنواصي والأقدام " الرحمن.
وقال :"
احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى
صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون "
،وقال : " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون
"
ولا
اختلاف بين هذه الآيات ووجه الجمع بينها ما روينا عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس
أنه قال: لا يسألهم عن عملهم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم ولكن يقول عملتم كذا
وكذا.
وقال الحليمي رحمه الله: معنى قوله:" ولا
يسأل عن ذنوبهم المجرمون"، وقوله
:" فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" سؤال التعرف بتمييز المؤمن عن الكافر أي أن
الملائكة لا تحتاج أن تسأل أحدا يوم القيامة فتقول ما كان ذنبك وما كنت تصنع في
الدنيا حتى يتبين له باخباره عن نفسه أنه كان مؤمنا أو كافرا لكن المؤمنين يكونون
ناضري الوجوه مشروحي الصدور والمشركين يكونون سود الوجوه زرقا مكروبين فهم إذا
كلفوا سوق المجرمين إلى النار وتمييزهم في الموقف عن المؤمنين كفتهم مناظرهم عن
تعرف ذنوبهم والله أعلم .
273 - عن
بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله :" فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا
جان" قال يقول لا تسأل الملائكة عن
المجرم إنسا ولا جانا يقول يعرفون بسيماهم.
فصل
وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن الوزن
للجزاء فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار
مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها قال الله عز وجل :" ونضع الموازين القسط
ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا
" وقال :" والوزن
يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين
خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون
" وقال :" فإذا نفخ
في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " إلى قوله
:" وهم فيها كالحون "
وقال:" فأما من ثقلت
موازينه فهو في عيشة راضية " إلى
آخر السورة .
وقد ورد ذكر الميزان في حديث الإيمان فالإيمان به
كالإيمان بالبعث وبالجنة وبالنار وسائر ما ذكر معه .
274 - عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم سئل عن الإيمان قال :"
الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان
وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره ". قال: يعني السائل إذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال (نعم )
قال :صدقت".
قال
البيهقي رحمه الله في الآية التي كتبناها دلالة على أن أعمال الكفار توزن لأنه قال
في آية أخرى :" بما كانوا بآياتنا يظلمون " الأعراف 9.
والظلم بآيات الله الاستهزاء بها وترك الإذعان
لها وقال في آية:" في جهنم خالدون "إلى أن قال :"ألم
تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون" ،
وقال في آية:" فأمه هاوية وما أدراك ما
هيه نار حامية" وهذا الوعيد
بالإطلاق لا يكون إلا للكفار فإذا جمع بينه وبين قوله:" وإن كان مثقال حبة
من خردل أتينا بها "ثبت أن الكفار يسألون عن كل ما خالفوا به الحق
من أصل الدين وفروعه إذ لو لم يسألوا عما وافقوا فيه أصل تدينهم من ضروب تعاطيهم
ولم يحاسبوا بها لم يعتد بها في الوزن أيضا وإذا كانت موزونة في وقت الوزن دل ذلك
على أنهم يحاسبون بها في موقف الحساب والله أعلم .
وهذا على قول من قال في الكفار أنهم مخاطبون
بالشرائع وهو الصحيح لأن الله عز وجل يقول:
" فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة"
فتوعدهم على منع الزكاة وأخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم:" ما سلككم في
سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب
بيوم الدين حتى أتانا اليقين"
فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان بالبعث وبإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة وأنهم مسؤولون عنها مخاطبون بها مجزون على ما أخلوا به منها والله أعلم.
وأختلفوا
في كيفية الوزن فذهب ذاهبون إلى أن الكافر قد يكون منه صلة الأرحام ومواساة الناس
ورحمة الضعيف وإغاثة اللهفان والدفع عن المظلوم وعتق المملوك ونحوها مما لو كانت
من المسلم لكانت برا وطاعة، فمن كان له
أمثال هذه الخيرات من الكفار فإنها تجمع وتوضع في ميزانه لأن الله تعالى
قال:" فلا تظلم نفس شيئا "فتأخذ من ميزانه شيئا غير أن الكفر إذا
قابلها رجح بها وقد حرم الله الجنة على الكفار فجزاء خيراته أن يخفف عنه العذاب
فيعذب عذابا دون عذاب كأنه لم يصنع شيئا من هذه الخيرات ومن قال بهذا احتج بما .
275 - عن
عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس بن عبد المطلب قال :" قلت يا رسول الله
هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال :" نعم هو في ضحضاح
من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" ورواه البخاري في
الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة . ورواه مسلم عن محمد بن أبي بكر وبن أبي
الشوارب.
قال
البيهقي رحمه الله : وذهب ذاهبون إلى أن خيرات الكافر لا توزن ليجزي بها بتخفيف
العذاب عنه وإنما توزن قطعا لحجته حتى إذا قابلها الكفر رجح بها وأحبطها ، أو لا توزن أصلا
ولكن يوضع كفره أوكفره وسائر سيئاته في إحدى كفتيه ثم يقال له هل لك من طاعة نضعها
في الكفة الأخرى فلا يجدها فيتثاقل الميزان فترتفع الكفة الفارغة وتبقى الكفة
المشغولة فذلك خفة ميزانه فأما خيراته فإنها لا تحسب بشيء منها مع الكفر .
قال الله عز وجل :"وقدمنا إلى ما عملوا
من عمل فجعلناه هباء منثورا"
وروينا
عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إن بن جدعان كان في الجاهلية يصل
الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال:
" لا ينفعه ، لأنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ".
وروينا عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه فقال:" إن أباك طلب أمرا
فأدركه" يعني الذكر .
- 276وروينا عن أنس
بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله لا يظلم المؤمن
حسنة يثاب عليها في الدنيا ويجزي بها في الأخرة . وأما الكافر فيعطى بحسناته في
الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن
له حسنة فيُعطى بها خيرا ".
وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث همام
قال البيهقي رحمه الله : من قال بالأول زعم أن
المراد بالآية والأخبار أنه لا يكون لحسنات الكافر موقع التخليص من النار والإدخال
في الجنة وقد يجوز أن يخفف عنه من عذابه الذي استوجبه بسيئاته بما تقدم منه في
الشرك من خيراته وقد روي في حديث مرفوع ما
قال البيهقي رحمه الله : وحديث أبي طالب صحيح ولا
معنى لإنكار الحليمي رحمه الله الحديث ولا أدري كيف ذهب عنه صحة ذلك فقد روي من
أوجه عن عبد الملك بن عمير وروي من وجه آخر صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وقد أخرجه صاحب الصحيح وغيرهما من
الأئمة في كتبهم الصحاح وإنما يصح لمن ذهب المذهب الثاني في خيرات الكافر أن يقول
حديث أبي طالب خاص في التخفيف عن عذابه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خص به أبو طالب لأجل النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلبه وثوابا له في نفسه لا لأبي طالب
فإن حسنات أبي طالب صارت بموته على كفره هباء منثورا ومثل هذا حديث عروة بن الزبير
في اعتاق أبي لهب ثويبة وإرضاعها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو
لهب أريه بعض أهله في النوم بشر خيبة فقال له ما لقيت فقال أبو لهب لم نر بعدكم
رجاء غير أني سقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام
والتي تليها وهذا أيضا لأن الإحسان كان مرجعه إلى صاحب النبوة فلم يضيع والله أعلم
وأما المؤمنون يحاسبون فإن أعمالهم توزن وهم
فريقان :
أحدهما :المؤمنون
المتقون لكبائر الذنوب فهؤلاء توضع حسناتهم في الكفة النيرة وصغائرهم إن كانت لهم
في الكفة الأخرى فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا وتثقل الكفة النيرة وترتفع الكفة
الأخرى ارتفاع الفارغ الخالي فيؤمر بهم إلى الجنة ويثاب كل واحد منهم على قدر
حسناته وطاعاته كما تلونا في الآيات التي ذكرناها في الموازين
والآخر :المؤمنون المخطئون
وهم الذين يوافون القيامة بالكبائر والفواحش غير أنهم لم يشركوا بالله شيئا
فحسناتهم توضع في الكفة النيرة وآثامهم وسيئاتهم في الكفة المظلمة فيكون يومئذ
لكبائرهم التي جاؤوا بها ثقل ولحسناتهم ثقل إلا أن الحسنات تكون بكل حال أثقل لأن
معها أصل الإيمان وليس مع السيئات كفر ويستحيل وجود الإيمان والكفر معا لشخص واحد
ولأن الحسنات لم يرد بها إلا وجه الله تعالى والسيئات لم يقصد بها مخالفة الله
وعناده بل كان تعاطيها لداعية الهوى وعلى خوف من الله عز وجل وإشفاق من غضبه
فاستحال أن توازي السيئات وإن كثرت حسنات المؤمن ولكنها عند الوزن لا تخلو من
تثقيل ويقع بها الميزان حتى يكون ثقلها كبعض ثقل الحسنات فيجري أمر هؤلاء على ما
ورد به الكتاب جملة ودلت سنة المصطفى صلى
الله عليه وسلم على تفصيلها وهو قوله عز
وجل :"إن الله يغفر الذنوب جميعا "، وقوله
:"ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 116 ، فيغفر لمن يشاء
بفضله ويشفع فيمن شاء منهم بإذنه ويعذب من شاء منهم بمقدار ذنبه ثم يخرجه من النار
إلى الجنة برحمته كما ورد به خبر الصادق وقد دل الكتاب على وزن أعمال المخلطين من
المؤمنين وهو قوله عز وجل:" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وإنما
أراد والله أعلم أنه لا يترك له حسنة إلا توزن وهذا بالمؤمن المخلط لأنه لو تركت
له حسنة لم توزن لزاد ذلك في ثقل سيئاته فأوجب ذلك زيادة في عذابه.
فأما أن
الوزن كيف يكون ففيه وجهان :
أحدهما: أن صحف الحسنات توضع في الكفة النيرة وصحف
السيئات في الكفة المظلمة لأن الأعمال لا تنسخ في صحيفة واحدة ولا كاتبها يكون
واحدا لكن الملك الذي يكون عن اليمين يكتب الحسنات والملك الذي يكون على الشمال
يكتب السيئات فيتفرد كل واحد منهما بما ينسخ فإذا جاء وقت الوزن وضعت الصحف في
الموازين فيثقل الله عز وجل ما يحق تثقيله ويخفف ما يحق تخفيفه.
والوجه
الآخر: أنه يجوز أن
يحدث الله تبارك وتعالى أجساما مقدرة بعدد الحسنات والسيئات ويميز إحداهما عن
الأخرى بصفات تعرف بها فتوزن كما توزن الأجسام بعضها ببعض في الدنيا والله أعلم .
ويعتبر في وزن الأعمال مواقعها من رضى الله عز
وجل وسخطه .
وذهب أهل
التفسير إلى إثبات هذا الميزان بكفتيه وجاء في الأخبار ما دل عليه وقد روى الكلبي
عن أبي صالح عن بن عباس أنه قال: الميزان
له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في
كفة الميزان فيثقل على السيئات قال: فيؤخذ فيوضع في الجنة عند منازله ثم يقال
للمؤمن : الحق بعملك قال: فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله قال :ويؤتى
بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخفف والباطل خفيف فيطرح في جهنم إلى
منازله منها ويقال له :الحق بعملك إلى النار قال: فيأتي النار فيعرف منازله بعمله
وما أعد الله فيها من ألوان العذاب قال بن عباس: فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة
والنار بعملهم من القوم، فينصرفون يوم الجمع راجعين إلى منازلهم .
279 - عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الحبلي قال: سمعت
عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إن
الله سيُخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين
سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: ألك عذر فيقول :لا يا رب،
فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تُظلم قال: فتوضع السجلات في كفة
والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء
"
فصل
في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها
قال الله عز وجل :" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما
بطن "
وقال :" إن تجتنبوا كبائر
ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم "
وقال
:" الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم "،
وقد ورد
النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الكبائر ما
280 - عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :" أجتنبوا السبع الموبقات قالوا:
يا رسول الله وما هن؟ قال :الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا
بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"
رواه
البخاري في الصحيح عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي.
وأخرجه
مسلم من وجه آخر عن سليمان.
قال
الإمام أحمد رحمه الله تعالى : وليس في تقييده ذلك بالسبع منع الزيادة عليهن وإنما
فيه تأكيد اجتنابهن ثم قد ضم إليهن غيرهن .
روينا عن عبيد بن عمير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم الكبائر تسع فذكرهن وذكر معهن :"عقوق
الوالدين، واستحلال البيت الحرام".
وفي الحديث الثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال :" الشرك بالله، وقتل
النفس، وعقوق الوالدين، وقال : ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر: قول الزور - أو قال- شهادة
الزور بدل (قول الزور).
وروي في
الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الكبائر؟ قال:" الإشراك بالله" قال: ثم
ماذا ؟ قال :"عقوق الوالدين "قال :ثم ماذا ؟ قال :"اليمين
الغموس ".
وفي الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من الكبائر شتم الرجل والديه"
قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال :"نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب
أمه فيسب أمه".
وفي
الحديث الثابت عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنوب أعظم عند
الله عز وجل ؟ قال:" أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قلت: ثم ماذا؟ قال:" أن تقتل ولدك خشية أن يطعم"
قلت :ثم ماذا؟ قال:" أن تزاني حليلة جارك".
وفي
الحديث الثابت عن عبادة بن الصامت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصبة من أصحابه:" بايعوني على أن
لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا
ببهتان ، ولا تعصوا في معروف ".
وقد ورد في الكتاب تحريم الميتة والدم ولحم
الخنزير وسائر ما ذكر معهما وورد فيه تحريم الخمر والميسر وورد فيه تحريم أكل مال
اليتيم وتحريم أكل الأموال بالباطل وتحريم قتل النفس وتحريم الزنى والسرقة وغير
ذلك وهو في مواضعه مذكور .
وورد في السنة حديث جابر بن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم :" ليس
بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة"
وإنما أراد والله أعلم تخصيص الصلاة لوجوب القتل بتركها.
وقد أورد
الحليمي رحمه الله ما أوردناه ثم قال:
وإذا
تتبع ما في الكتاب والسنة من المحرمات كثر وإنما أوردنا هذا لنبين الصغائر
والكبائر بيانا حاويا نأتي به على ما نحتاج إليه في هذا الباب بإذن الله.
فنقول:
قتل النفس بغير حق كبيرة فإن كان المقتول أبا أو ابنا أو ذا رحم في الجملة أو
أجنبيا متحرما بالحرمة وبالشهر الحرام فهو فاحشة وأما الخدشة والضربة بالعصا مرة
أو مرتين فمن الصغائر .
والزنا كبيرة فإن كان بحليلة الجار أو بذات محرم أو لا بواحدة
من هاتين لكن بأنه في شهر رمضان أو في البلد الحرام فهو فاحشة قال الله عز وجل:" ومن يرد فيه بإلحاد
بظلم نذقه من عذاب أليم " وأما ما دون الزنى الموجب للحد فإنه من الصغائر
فإن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو
مع أجنبيه أثم، لكن على سبيل القهر والإكراه كان كبيرة .
وقذف المحصنات كبيرة وإن كانت المقذوفة أما أو أختا أو امرأة لأبيه
كان فاحشة وقذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر وكذلك القذف
بالخيانة والكذب والسرقة.
والفرار من الزحف كبيرة فإن كان من واحد أو اثنين ضعيفين وهو أقوى
منهما أو اثنين حملا عليه بلا سلاح وهو شاك السلاح فذلك فاحشة.
وعقوق
الوالدين كبيرة
فإن كان مع العقوق سب أو شتم أو ضرب فهو فاحشة ، وإن كان العقوق بالاستثقال
لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجوههما والتبرم بهما مع بذل الطاعة ولزوم الصمت فهذا
من الصغائر.
فإن كان
ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا عنه فلا يأمرانه ولا ينهيانه ويلحقهما من ذلك ضرر
فهذا كبيرة .
والسرقة من الكبائر وأما أخذ المال في قطع الطريق فاحشة ولذلك تقطع
يد السارق وتقطع يد المحارب ورجله من خلاف
وقتل النفس في قطع الطريق فاحشة ولذلك لا يعمل
عفو الوالي عنه إذا قدر عليه قبل التوبة
وسرقة
الشيء التافه الحقير صغيرة فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذ منه فذلك
كبيرة
وإن لم يكن على السارق الحد وأخذ أموال الناس
بغير حق كبيرة فإن كان المأخوذ ماله يفتقر أو كان أبا الآخذ أو أمه أو كان الآخذ
بالاستكراه والقهر فهو فاحشة وكذلك إن كان على سبيل القمار فإن كان المأخوذ شيئا
تافها والمأخوذ منه غنيا لا بأس عليه من ذلك فذلك صغيرة .
وشرب الخمر من الكبائر فإن استكثر
الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذلك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء
فذهبت شرتها وشدتها فذلك من الصغائر.
وترك
الصلاة من الكبائر فإن صار عادة فهو من الفواحش فإن كان أقامها ولم يؤتها حقها
من الخشوع لكنه التفت فيها أو فرقع أصابعه أو استمع إلى حديث الناس أو سوى الحصى
أو أكثر من مس الحصى من غير عذر فذلك من الكبائر فإن اتخذه عادة فهو من الفواحش .
وإن ترك إتيان الجماعة لغيرها فهو من الصغائر فإن
اتخذ ذلك عادة وقصد به مباينة الجماعة والانفراد عنهم فذلك كبيرة وإن اتفق على ذلك
أهل قرية أو أهل بلد فهو من الفواحش.
ومنع
الزكاة كبيرة
ورد السائل صغيرة فإن اجتمع على منعه أو كان المنع من واحد إلا أنه زاد على المنع
الانتهار والاغلاظ فذلك كبيرة وهكذا إن أتي
محتاج رجلا موسعا على الطعام فرآه فتاقت إليه نفسه فسأله منه فرده فذلك كبيرة.
قال
والأصل في هذا الباب أن كل محرم بعينه منهي عنه لمعنى في نفسه فإن تعاطيه على
وجه يجمع وجهين أو أوجها من التحريم فاحشة وتعاطيه على وجه يقصر به عن رتبة
المنصوص أو تعاطي ما دون المنصوص الذي لا يستوفي معنى المنصوص أو تعاطي المنصوص
الذي نهى عنه لأن لا يكون ذريعة إلى غيره فهذا كله من الصغائر .
وتعاطي الصغير على وجه يجمع وجهين أو أوجها من
التحريم كبيرة ومثال ذلك موجود فيما مضى ذكره وأعاده ها هنا وزاد فيما ذكره من
الذريعة أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضره سكينا وهذا يحرم لقوله:" ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان "المائدة 2
لكنه من الصغائر لأن النهي عنه لئلا يكون ذريعة للظالم للتمكن من ظلمه وكذلك سؤال الرجل لغيره
الذي لا يلزمه طاعة أن يقتل آخر ليس من الكبائر لأنه ليس فيه إلا إرادة هلاكه من
غير أن يكون معها فعل والله أعلم.
قال البيهقي رحمه الله: وقد نجد اسم الفاحشة
واقعا على الزنى وإن لم ينضم إليه زيادة حرمة لكنه لما رأى الله عز وجل فرق بين
الكبائر والفواحش في الذكر فرق هو أيضا بينهما فكل ما كان أفحش ذكرا جعله زائدا
على الكبيرة والله أعلم .
وقد فسر مقاتل بن سليمان الكبائر بكل ذنب ختم
بالنار والفواحش ما يقام فيه الحد في الدنيا .
وقد دل كلام الحليمي رحمه الله وغيره من الأئمة
على أن الإصرار على الصغير كبيرة وقد وردت أخبار وحكايات في التحريض على اجتناب
الصغائر خوفا من الإصرار عليها فتصير من الكبائر .
281 - عن
عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال :"إياكم ومحقرات الأعمال
إنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا
كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء
بالعويد حتى جمعوا من ذلك سوادا، ثم أججوا
نارا فأنضجت ما قذف فيها "
282 -
ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول :"لا
تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر من
عصيت"
284 -
ثنا بن زيد وذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال: فلما حضر أحدهما الوفاة بكى فقيل
له: ما يبكيك؟ إن كنا لنغبطك لهذا اليوم ! قال:" أما والله ما أبكي أن أكون
أتيت شيئا ركبته من معاصي الله اجتراء على الله، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا
أحسبه هينا وهو عند الله عظيم. قال : وبكى
الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك فقال: إني سمعت الله يقول لقوم :(وبدا لهم من
الله ما لم يكونوا يحتسبون ) فأنا أنظر ما ترون والله ما أدري ما يبدو
لي" قال : وكان يقال محمد أخوهم
أدناهم في العبادة وأي شيء كان محمد في زمانه .
285 - عن
سفيان الثوري في قوله عز وجل :" فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"
قال: يغفر لمن يشاء العظيم ويعذب من يشاء على
الصغير .
290 -
ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي
بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله :"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو
عذاب أو لعنة .
قال
البيهقي رحمه الله وأما ترك الفرق بينهما ففيما روي:
288 - عن
بن عباس قال:" كل ما نهى الله عنه كبيرة " هكذا قال وكذا قال
يحيى بن عتيق وهشام عن محمد بن سيرين عن بن عباس .
289 - عن
أيوب عن بن سيرين عن عبيدة قال:" كل ما عصي الله به فهو كبيرة "وقد ذكر
الطرفة فقال تعالى :" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ".
290 -
وبإسناده ثنا معمر عن بن طاوس عن أبيه قال :قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي إلى
السبعين أقرب.
قال
البيهقي رحمه الله فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها
فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا والآخرة على ما جاء
به الكتاب والسنة .
فصل
في أصحاب الكبائر من أهل القبلة إذا وافوا
القيامة بلا توبة قدموها
قال أصحابنا رضي الله عنهم أمرهم إلى الله تعالى
جده فإن شاء عفا عنهم مبتديا وإن شاء شفع فيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم وإن شاء أمر بإدخالهم النار فكانوا معذبين مدة
ثم أمر بإخراجهم منها إلى الجنة إما بشفاعة وإما بغير شفاعة ولا يخلد في النار إلا
الكفار
واستدلوا
بقول الله عز وجل :"بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته"
وأخبر أن
التخليد في النار إنما هو لمن أحاطت به خطيئته والمؤمن صاحب الكبيرة أو الكبائر لم
تحط به خطيئته لأن رأس الخطايا هو الكفر وهو غير موجود منه فصح أنه لا يخلد في
النار
فإن قيل
هذا معارض بقوله عز وجل :"والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة
هم فيها خالدون" فوعد الجنة من
جمع بين أصل الإيمان وفروعه. وصاحب
الكبيرة أو الكبائر تارك الصالحات فصح أن وعد الجنة ليس له
قيل له:
المتعاطي لها إذا تاب منها ووافى القيامة تائبا تاركا للصالحات غير جامع
بين الإيمان وفروعه ومع ذلك فإنه يدخل الجنة وتوبته لا تقوم مقام ما ترك من
الصالحات لأنه كان عليه أن يكون نازعا عن الشر أبدا فإذا أقدم عليه وقتا ثم نزع عنه
وقتا كان بذلك الفرد مبعضا وبعض الفرض لا يجوز أن يكون بدلا عن جميعه وإذا جاز أن
يمن الله تعالى على التائب فيكفر بتوبته خطاياه لم لا يجوز أن يمن على المصر فيكفر
بإيمانه الذي هو أحسن الحسنات خطاياه ويكفر بصلواته وما يأتي به الحسنات ما فرط
منه مدة من سيئاته كما قال تعالى:" إن الحسنات يذهبن السيئات" ذلك وإنما افترقا في أن التائب مغفور له من غير
تعذيب والمصر قد يعذب بذنبه مدة ثم يدخل الجنة لأن خبر الصادق بذلك ورد واستدل
أصحابنا بقوله تعالى :"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء" النساء
ولا يجوز أن يفرض في خبر الله خلف وبذلك وردت
السنة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم
291 - عن
عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لهم في بيعة النساء:" تبايعوني
على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا يعني الآية كلها فمن وفى منكم
فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارته ومن أصاب من ذلك شيئا فستره
الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه "أخرجاه في
الصحيح من حديث سفيان بن عيينة.
قال
البيهقي رحمه الله : قوله في بيعة النساء أراد كما في بيعة النساء وهو قوله عز وجل
:" يا أيها النبي إذا جاءك
المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن
أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف "
وقوله :
"من أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه" أراد به ما خلا الشرك كما أراد بقوله: فعوقب به
ما خلا الشرك، فجعل الحد كفارة لما أصاب من الذنب بعد الشرك ، وجعل ما لم يحد فيه
موكولا إلى مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه. ثم التعذيب لا يكون مؤبدا لدليل أخبار الشفاعة
وما ورد في معناها من كتاب الله عز وجل فإن قيل المعنى أنه يغفر الصغائر لمجتنب
الكبائر ولا يغفرها لمن لا يجتنب الكبائر كما قال في آية أخرى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه
نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " النساء 31
قيل: المراد بالكبائر التي شرط في المغفرة اجتنابها هي الشرك فهي في هذه الآية
مطلقة، وتكفير السيئات بها مطلقة ، وهما في الآية التي احتججنا بها في الموضعين
مقيدتان فوجب الجمع بينهما وحمل المطلق على المقيد.
فإن قيل:
قد توعد أصحاب الكبائر بالنار والخلود فيها ولم يستثن منهم إلا التائبين فقال :"
ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق "إلى أن قال:" إلا
من تاب".
قيل: هذا الوعيد ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره فإن
الله جل ثناؤه افتتح هذه الآية بذكر الشرك فقال
:"والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " فانصرف قوله :"ومن يفعل ذلك "إلى
جميع ما تقدم ذكره .
ومن جمع بين هذه الكبائر هذا الوعيد. والذي يدل على هذا أنه قال يضاعف له العذاب
وإنما أراد والله أعلم أن من جمع بين الشرك وغيره من الكبائر جمع عليه مع عذاب
الشرك عذاب الكبائر فيصير العذاب مضاعفا عليه ثم قال إلا من تاب وآمن وعمل عملا
صالحا فذكر في التوبة الإيمان والعمل الصالح وذلك ليحبط الإيمان كفره ويحبط إصلاحه
في الإيمان ما تقدم من إفساده في الكفر كما روينا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل: وقد قال :"ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها"
قيل: قد ذهب أهل التفسير إلى أن هذه الآية نزلت فيمن
قتل وارتد عن الإسلام وذهب بعض أصحابنا إلى أن الآية مقصورة على سببها .
قال البيهقي رحمه الله : وجواب آخر وهو ما روينا
عن أبي مجلز لاحق بن حميد وهو من كبار التابعين أنه قال : في قوله :"ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم " قال: هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز
عن جزائه فعل .
293 - أخبرناه أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا
محمد بن بكر
ثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب عن
سليمان التيمي عن أبي مجلز لاحق بن حميد فذكره وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إسناده.
قال
البيهقي رحمه الله: وبلغني عن أبي سليمان الخطابي البستي رحمه الله أنه قال القرآن
كله بمنزلة الكلمة الواحدة وما تقدم نزوله وما تأخر في وجوب العمل به سواء ما لم
يقع بين الأول والآخر منافاة ولو جمع بين قوله :"ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"
وبين قوله :"ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها " والحق
به قوله:" لمن يشاء " لم يكن متناقضا فشرط المشيئة قائم في
الذنوب كلها ما عدا الشرك .
وأيضا فإن قوله:" فجزاءه جهنم "
يحتمل أن يكون معناه فجزاءه جهنم إن جازاه الله ولم يعف عنه . فالآية الأولى خبر
لا يقع فيه الخلف والآية الأخرى وعد يرجى فيه العفو . والله أعلم .
قال البيهقي رحمه الله فإن قيل فقد قال الله
سبحانه :" ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها "
قيل : هكذا نقول الحدود اسم جمع وإنما يصير متعديا لحدود الله تعالى أجمع بترك
الإيمان وتارك الإيمان يخلد في النار
فإن قيل: قد قال:" وإن الفجار لفي جحيم يصلونها
يوم الدين وما هم عنها بغائبين"
قيل: وقد
قال:" إن الأبرار لفي نعيم " والفاسق المؤمن بر بإيمانه فإن قيل
ليس برا مطلقا قيل وكذلك ليس بفاجر مطلقا فإن قيل فجوره أحبط إيمانه قيل ليس الفصل
بين هذا القول وبين من يقول من المرجئة أن إيمانه أحبط فجوره فدل أنه أراد بالفجار
الذين قابل بينهم وبين الأبرار الكفار لأن رأس البر الإيمان وكذلك رأس الفجور
الكفر والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله الله عز وجل:" إنا لا نضيع
أجر من أحسن عملا " وقوله :"
لا أضيع عمل عامل منكم "
وقوله :" إن الله لا يظلم مثقال
ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " وقوله :" فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره "وقوله:" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا "وقوله :" فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير "
وقوله :"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات " وقوله :"هل
جزاء الإحسان إلا الإحسان " فهذه الآيات وما ورد منها في معناها كلها تدل
على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وأحسن الأعمال الإيمان بالله وبرسوله.
ومن قال
بتخليد المؤمن في النار كان قد أضاع أجر عمله ولم يجعل له عوضا ولأنا وجدنا الله
عز وجل وعد على الطاعات ثوابا وعلى المعاصي عقابا فليس لأحد أن يقول يرى ما عمل من
المعاصي دون ما عمل من الطاعات وقد عملهما جيمعا إلا ولآخر أن يعكس ذلك فلا يجد
القائل بذلك فضلا ولأنا قد أجمعنا على حصول طاعاته واختلفنا في زوال حكمها فلا
يرفع حكم ما تيقناه من حصول الطاعات بمعصية لا تنفيها ولا تضادها.
واحتجوا
في إبطال الشفاعة بقوله عز وجل:" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"
فالظالمون ها هنا هم الكافرون ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين
فإن احتجوا
بقوله:" ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" قيل هذا دليلنا لأن الفاسق
مرتضى بإيمانه
قال الله
عز وجل :" ثم آورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " واصطفينا
وارتضينا واحد في اللسان ثم قال:" فمنهم ظالم لنفسه "أي من
المصطفين ظالم لنفسه والظلم هو الفسق فأخبر أن فيهم ظالما وقال في قصة يونس :"إني
كنت من الظالمين ".
وقد روينا من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:" ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا " قال كلهم في الجنة
وقيل معناه إلا من ارتضى أن يشفعوا له كما قال :"من
ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه "
قال الحليمي رحمه الله : ولا تحتمل الآية غير ذلك
لأن المرتضين عند الله لا يحتاجون إلى شفاعة ملك ولا نبي فصح أن المعنى ما قلناه
ولا يجوز أن يقال إن الله عز وجل لا يرتضي أن يشفع لصاحب الكبيرة لأن المذنب الذي
يحتاج إلى الشفاعة فكلما كان ذنبه أكبر كان إلى الشفاعة أحوج فكيف
يجوز أن يكون اشتداد حاجته إلى الشفاعة حائلا
بينه وبين الشفاعة
وليس امتناع الشفاعة للكافرين لأن ذنبه كبير
ولكنه بجحده الباري المشفوع إليه أو الرسول الشافع له أو لأن الله تعالى أخبر أنه
لا يشفع فيه أحدا وهذه المعاني كلها معدومة في صاحب الكبيرة من أهل القبلة .
وقوله :" يوم لا تملك نفس لنفس شيئا "
لا يدفع الشفاعة لأن المراد بالملك الدفع بالقوة وإنما الشفاعة تذلل من الشافع
للمشفوع عنده وإقامة الشفيع بذلك من المشفوع له فلا يوم أليق به وأشبه بأحواله
بيوم الدين وقد ورد عن سيدنا المصطفى صلى
الله عليه وسلم في إثبات الشفاعة وإخراج
قوم من أهل التوحيد من النار وإدخالهم في الجنة أخبار صحيحة قد صارت من الاستفاضة والشهرة بحيث قاربت
الأخبار المتواترة وكذلك في مغفرة الله تبارك وتعالى جماعة من أهل الكبائر دون
الشرك من غير تعذيب فضلا منه ورحمة والله واسع كريم.
قال
البيهقي رحمه الله : وقد ذكرنا هذه الأخبار في كتاب البعث والنشور ونحن نشير ها
هنا إلى طرف منها قال عز وجل لمحمد صلى
الله عليه وسلم :" ومن الليل
فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "
وروينا في الحديث الثابت عن يزيد الفقير عن جابر
بن عبد الله ما دل على أن ذلك في الشفاعة وكذلك عن حذيفة بن اليمان وبن عمر وغيرهم
298 - عن الزهري عن علي بن الحسين قال :حدثني رجل
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول:" تمد
الأرض يوم القيامة لعظمة الرحمن جل ثناؤه ولا يكون فيها لأحد إلا موضع قدمه فأكون
أول من يدعى فأجد جبريل عليه السلام قائما عن يمين الرحمن ، لا والذي نفسي بيده ما
رأى الله قبلها . قال: فأقول يا رب إن هذا جاءني فزعم أنك أرسلته إلى قال وجبريل
ساكت قال : فيقول عز وجل صدق أنا أرسلته إليك حاجتك؟ فأقول يا رب إني تركت عبادا من عبادك قد عبدوك
في أطراف البلاد وذكروك في شعب الآكام ينتظرون جواب ما أجيء به
من عندك، فيقول أما إني لا أخزيك فيهم. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فهذا المقام المحمود الذي قال الله عز وجل :"عسى
أن يبعثك ربك مقاما محمودا " رواه جماعة عن إبراهيم بن سعد.
قال
البيهقي رحمه الله: وتمامه في سائر
الروايات التي وردت في الشفاعة وقال الله عز وجل:" ولسوف يعطيك ربك فترضى
".
وروينا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن
النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم:" رب إنهن
أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني " إبراهيم 36
وقال
عيسى بن مريم:" إن تعذبهم فإنهم عبادك"الآية .
فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى. قال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم فسله : ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله تبارك وتعالى : يا جبريل اذهب إلى
محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .
299- أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو
محمد بن زياد العدل ثنا محمد بن إسحاق ثنا يونس بن عبدالأعلى أنبا بن وهب حدثني
عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو
فذكره .
رواه مسلم في الصحيح عن يونس
قال البيهقي رحمه الله: وروينا عن يزيد الفقير عن
جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :" أُعطيت خمسا لم يعطهن
أحد قبلي فذكرهن وقال فيهن: وأعطيت الشفاعة ".
300 - أخبرناه أبو حازم الحافظ أنا أبو عمرو بن مطر
أنا إبراهيم بن
علي أنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن سيار عن يزيد
الفقير فذكره وهو مخرج في الصحيحين .
301 - عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته
وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي" رواه مسلم في الصحيح عن زهير
وغيره عن
روح ، وأخرجاه من حديث أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم
وأخرجه مسلم أيضا من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
ورواه
أيضا عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى
الله عليه وسلم وأخرج مسلم حديث أبي بن
كعب في قصة القراءة.
قال
البيهقي رحمه الله: وقول النبي صلى الله
عليه وسلم:" اللهم اغفر لأمتي اللهم
اغفر لأمتي وتأخير الدعوة الثالثة إلى يوم يرغب إليه فيه الخلق حتى إبراهيم عليه
السلام "
302 - عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنا أكثر
الأنبياء يوم القيامة تبعا ، يجيء النبي وليس معه مصدق غير رجل واحد ، وأنا أول
شافع وأول مشفع" أخرجه مسلم من وجه آخر عن المختار.
قال
البيهقي رحمه الله : وقد روينا في معناه عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام
وأبي بن كعب وأبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يختص يوم القيامة بالشفاعة لأهل الجمع حتى
يريحهم الله عز وجل من مكانهم الذي أقيموا فيه ثم يشارك غيره من الأنبياء
والملائكة والصديقين في الشفاعة لآحاد المسلمين وقد قيل إنه يكون مخصوصا أيضا من
بينهم بالشفاعة لأهل الكبائر من أهل التوحيد .
303 - عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يجمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون فيقولون:
لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا ، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون:
يا آدم أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء ، اشفع
لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: إني لست هناكم ويذكر لهم خطيئته
التي أصاب ولكن ائتوا نوحا عليه السلام أول رسول بعثه الله عز وجل، فيأتون نوحا عليه السلام فيقول: لست هناكم،
ويذكر خطيئته التي أصاب ، ولكن ائتوا إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، فيأتون
إبراهيم عليه السلام فيقول : لست هناكم ، ويذكر لهم خطاياه ، ولكن ائتوا موسى عليه
السلام عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما ، فيأتون موسى عليه السلام فيقول : إني لست هناكم، ويذكر لهم خطيئته
التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله
ورسوله وكلمة الله وروحه ، فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا
محمدا عليه السلام عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق،
فأستأذن على ربي عز وجل فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال : ارفع
محمد وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد يعلمنيه ، ثم اشفع فيحد لي
حدا فأدخلهم الجنة حتى أرجع فأقول : يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي
وجب عليه الخلود "رواه البخاري ومسلم من حديث هشام الدستوائي وغيره.
وفي حديث
أبي عوانة عن قتادة " يجمع الله
الناس يوم القيامة "وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال :يجمع الله يوم القيامة
الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس ويبلغ
الناس من الغم والكرب مالا يطيقون وما لا يحتملون ثم ذكر هذه القصة .
قال البيهقي رحمه الله: وهذا الحديث يجمع شفاعة
النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجمع حتى يريحهم من مكانهم الذي بلغوا
فيه من الغم والكرب ما لا يطيقون من طول القيام في الشمس، ثم شفاعته لأهل الذنوب من أمته .
وفي رواية معبد بن هلال عن أنس بن مالك عن
النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ما دل علي أن ذلك لأهل الكبائر من
أمته ، فإنه قال في حديث :"فأقول : ربي أمتي أمتي، فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة
أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها "وقال في المرة الثانية" مثقال
حبة خردل من إيمان "وفي المرة الثالثة" فمن كان في قلبه أدنى
أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار ".
304 - عن أنس قال: " يشفع
محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من النار من كان في قلبه أدنى من شطر
خردلة من خير"
قال
البيهقي رحمه الله :وفي كل ذلك دلالة على أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته.
308 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لكل نبي دعوة
مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت
دعوتي: شفاعتي لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا
يشرك بالله شيئا" رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب .
قال البيهقي رحمه الله : وكذلك رواه عمرو بن أبي
سفيان عن أبي هريرة وبمعناه روى أبو ذر ومعاذ بن جبل وأبو موسى وعوف بن مالك
وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم .
310 - ثنا يزيد الفقير قال كنت قد شغفني رأي من
رأي الخوارج وكنت رجلا شابا فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج ثم نخرج على الناس
فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إلى سارية وإذ قد ذكر الجهنميين فقلت له: يا صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وما هذا الذي تحدثون؟ والله تعالى يقول:" إنك من تدخل النار
فقد أخزيته " "وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها"
فما هذا الذي تقولون ؟ فقال: أي بني تقرأ القرآن فقلت : نعم فقال : هل سمعت بمقام
محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم قال : فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرج
الله به من يخرج من النار قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه فأخاف أن لا أكون
حفظت ذلك غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها ، قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من
أنهار الجنة فيغتسلون فيه، قال : فيخرجون كأنهم القراطيس البيض، قال: فرجعنا فقلنا : ويحكم أترون هذا الشيخ يكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: فرجعنا فوالله ما خرج منا غير رجل واحد رواه
مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر عن الفضل بن دكين .
311 - عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل
النار النار يقول الله عز وجل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من خير فأخرجوه
فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمما قال: فيلقون في نهر يقال له نهر الحياة قال :فينبتون
فيه كما الحية في حميل السيل فقال : رسول الله
صلى الله عليه وسلم ألا ترونها
تنبت صفراء ملتوية "
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل.
وأخرجه
مسلم من وجه آخر عن وهيب .
312 - عن سمرة بن جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن منهم من تأخذه النار إلى
كعبيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته ومنهم من تأخذه إلى ترقوته"
رواه
مسلم عن بن أبي شيبة
وفي رواية سعيد عن قتادة "ومنهم من تأخذه
النار إلى ركبتيه".
قال
البيهقي رحمه الله : وروينا في الحديث الثابت عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤية والصراط ومرور المؤمنين عليه ثم
قولهم :" أي ربنا أخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا ، ويحجون معنا ، ويجاهدون معنا، فأخذتهم إلي النار فيقول : اذهبوا فمن عرفتم
صورته فأخرجوه وتحرم صورهم على النار، فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى قدميه وإلى
أنصاف ساقيه ، وإلى ركبتيه وإلى حقويه، فيخرجون منها بشرا كثيرا ، ثم يعودون فيتكلمون
فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال
قيراط خير فأخرجوه، فيخرجون بشرا كثيرا ثم
يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول ذلك حتى يقول : اذهبوا وأخرجوا من وجدتم في قلبه
مثقال ذرة فأخرجوه"
وكان أبو
سعيد إذا حدث بهذا الحديث يقول وإن لم تصدقوني فاقرؤوا( إن الله لا يظلم مثقال
ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) " فيقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول هو: بقي أرحم الراحمين قال:فيقول : قد شفعت الملائكة
، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون . فهل بقي إلا أرحم الراحمين؟ فيأخذ قبضة من النار قال: فيخرج قوما قد عادوا حمما لم يعملوا لله عمل خير
قط ، فيطرحون في نهر الجنة يقال له نهر
الحياة، فينبتون فيه والذي نفسي بيده كما
ينبت الحبة في حميل السيل ، ألم تروها وما يليها من الظل أُصيفر وما يليها من
الشمس أُخيضر؟ قلنا: يا رسول الله كأنك
كنت في الماشية؟ قال: فينبتون كذلك فيخرجون أمثال اللؤلؤ فيحلون في
رقابهم الخواتيم ثم يرسلون في الجنة، هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من
النار بغير عمل عملوه ولا خير قدموه قال الله عز وجل : خذوا فلكم ما أخذتم فيأخذون
حتى ينتهوا، قال: ثم يقولون لو يعطينا
الله ما أخذنا! فيقول الله عز وجل: إني
أعطيتكم أفضل مما أخذتم ثم قال: فيقولون: أي ربنا وما أفضل مما أخذنا؟ فيقول رضواني فلا
أسخط ".
313 - عن
عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري فذكره.
رواه
مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون.
قال
البيهقي رحمه الله: وأخرجنا حديث سعيد بن
المسيب وعطاء بن يزيد عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم في هذه القصة
قال في آخرها:" فيقول له: تمن
فيتمنى حتى إذا انقطع به قال الله عز وجل: من كذا وكذا فسل، يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله
تعالى: لك ذلك ومثله معه " قال
أبو سعيد الخدري لأبي هريرة إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :" لك
ذلك وعشرة أمثاله " .
وروينا في حديث أبي صالح عن أبي سعيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يخرج من النار :
"فيمكثون في الجنة حينا فيقال لهم هل
تشتهون شيئا فيقولون أن ترفع عنا هذا الاسم فيرفع عنهم "
314 - عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا، وآخر أهل النار خروجا من النار، رجل يخرج حبوا فيقول له ربه: ادخل الجنة، فيقول: أرى الجنة ملأى فيقول له ذلك ثلاث مرات كل ذلك
يعيد : الجنة ملأى، فيقول: إن لك مثل
الدنيا عشر مرات" رواه البخاري
في الصحيح عن محمد بن خالد عن عبيد الله .
وأخرجاه من حديث جرير عن منصور .
.
قال البيهقي :وقد روينا حديث بشر بن المفضل عن
أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"
أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس
أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم أماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في
الشفاعة فيجاء بهم ضبائر قد امتحشوا فيلقون على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة
أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحبة في حميل السيل فقال رجل كأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد كان في البادية .
316- ...
ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قالا ثنا بشر بن المفضل فذكره.
رواه
مسلم عن نصر بن علي.
ورواه
سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي
صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على
هذه الآية(إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى).
فقال: معنى ما روينا ه في رواية أبي مسلمة عن أبي نضرة.
فصل
فيما يجاوز الله عن عباده ولا يؤاخذهم به فضلا
منه ورحمة
322 - عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم (لله ما في السماوات وما في الأرض)
الآية فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب ثم قالوا : أي رسول الله
كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والزكاة والصدقة ، وقد نزلت عليك هذه
الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :" أتريدون أن تقولوا
كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا : ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )
فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله عز وجل في أثرها :( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
والمؤمنون) إلى قوله :( غفرانك ربنا وإليك المصير ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله عز وجل:(
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن
نسينا أو أخطأنا) قال: نعم (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين
من قبلنا) قال: نعم( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) قال :نعم( واعف
عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قال نعم .
رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام ومحمد بن
المنهال .
325 - عن خالد يعني الحذاء عن مروان الأصفر عن
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم أحسبه بن عمر:( إن تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) قال: نسختها الآية التي بعدها .
رواه البخاري في الصحيح عن إسحاق بن منصور عن روح.
قال
البيهقي رحمه الله وهذا النسخ بمعنى التخصيص والتبيين فإن الآية الأولى وردت مورد
العموم فوردت الآية التي بعدها فبينت أنما لا يخفى ما لا يؤاخذ به وهو حديث النفس
الذي لا يستطيع العبد دفعه عن قلبه وهذا لا يكون منه كسب في حدوثه وبقائه وكثير من
المتقدمين كانوا يطلقون عليه اسم النسخ على الاتساع بمعنى أنه لولا الآية الأخرى
لكانت الآية الأولى تدل على مؤاخذته بجميع ذلك .
ويحتمل أن يكون هذا خبرا مضمنا بحكم وكأنه حكم
بمؤاخذة عباده بجميع ذلك وتعبدهم به وله أن يتعبدهم بما شاء فلما قابلوه بالسمع
والطاعة خفف عنهم ووضع عنهم حديث النفس فيكون قوله : (يحاسبكم به الله )خبرا
مضمنا بحكم أي حكم بمحاسبتكم به وهذا كقوله عز وجل:( إن يكن منكم عشرون صابرون
يغلبوا مائتين) أي حكم بذلك ثم قال:( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا
فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) فنسخ الحكم الأول وأثبت الثاني كذلك
هذا والله أعلم.
وهذا
الذي كتبته مختصر من جملة ذكرها الشيخ الإمام أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله في هذا
الباب فيما أخبرنا أبو عمرو الأديب عنه وذكر فيما لا يؤاخذ به من حديث النفس معنى
ما ذكرناه ثم قال وعلى هذا المعنى ما روي لك النظرة الأولى وليست لك الثانية إذا
كانت الأولى لا عن قصد تعمد فإذا أعاد النظر فهو كمن حقق الخطرة .
قال البيهقي رحمه الله : إذا تحقق الخطرة فهو كمن
حقق النظر وبالله التوفيق .
وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النسخ لا
يجري فيما أخبر الله به عنه أنه كان وأنه فعل ذلك فيما مضى لأنه يؤدي إلى الكذب
والخلف ويجري عند بعضهم فيما أخبر أنه يفعله وذلك أن ما أخبر أنه يفعله يجوز أن
يفعله بشرط وإخباره عما فعله لا يجوز دخول الشرط فيه وهذا أصح الوجوه وعليه تأول
بن عمر الآية ويجري ذلك مجرى العفو والتخفيف عن عباده وهو كرم منه وفضل وليس بخلف
قال وأما ما تعلق من الأخبار بالأمر والنهي فالنسخ فيه جائز عند جماعة من الناس
وسواء كان ذلك خبرا عن ماض أو عن زمان مستقبل .
326 - عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تجوز لأمتي عما وسوست به أنفسها أو حدثت به
أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به " أخرجاه في الصحيح من حديث مسعر .
327- عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت
به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا " .
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور وغيره عن
أبي عوانة.
وأخرجاه
من أوجه أخر عن قتادة .
328- عن أبي رجاء العطاردي عن بن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال:" إن الله
كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بالحسنة فلم يعملها كتب الله له حسنة ومن
عملها كتب الله له بها عشرا إلى سبعمائة ضعف وأضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة ولم
يعملها كتب الله له بها حسنة كاملة ، ومن هم بها فعملها كتب الله عليه سيئة واحدة
".
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ .
329 - عن أبي رجاء العطاردي عن بن عباس عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه عز وجل "إن ربكم رحيم
فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة
إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها كتبت عليه واحدة
أو يمحوها الله ولا يهلك على الله إلا هالك "
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ... ثنا يحيى بن يحيى
أنا جعفر بن سليمان بهذا الإسناد نحوه
رواه
مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
قال
البيهقي رحمه الله وقد روينا في حديث همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث في السيئة قال وإن تركها اكتبوها
له حسنة إنما تركها من جزائي وهو مذكور في باب التوبة .
330 - عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :"يقول
الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، وإن عملها
فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، فإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له
حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف" رواه البخاري
في الصحيح عن قتيبة .
331 - عن أبي هريرة قال :" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالحديث لأن
أخر من السماء أحب إلى من أن أتكلم به، قال ذلك صريح الإيمان"
رواه
مسلم في الصحيح عن الصغاني .
334 - عن بن عباس أن رجلا قال:" يا رسول
الله تحدثني نفسي من أمر الرب لأن أكون حُممة أحب إلى من أن أتكلم به، فقال أحدهما : الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا
على الوسوسة ، فقال الآخر: الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة ".
قال البيهقي رحمه الله : وإنما الإيمان اغتمامه
بما وقع في قلبه مما لا طاقة له بدفعه وكراهيته له وإشفاقه مغبته وبالله العصمة .
فصل في القصاص من المظالم
338 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون من المفلس؟"
قالوا : المفلس منا من لا درهم له ولا
متاع فقال :"إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي
قد شتم هذا ، وقذف هذا، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ،فيُعطي هذا من
حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته
قبل أن يُقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت
عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة .
339 - عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية :(ونزعنا ما في صدورهم من غل
إخوانا على سرر متقابلين)
قال:"
يخلُص المؤمنون على الصراط فيُحبسون
على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى
إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، فوالله إن أحدهم لأهدى لمنزله في الجنة
من منزله في الدنيا " قال قتادة:
كان يقال ما يشبه بهم إلا أهل الجمع انصرفوا من جمعهم. رواه البخاري في الصحيح عن الصلت بن محمد عن
يزيد بن زريع .
قال البيهقي رحمه الله : وهذا يحتمل أن يكون
المراد به حتى إذا هذبوا ونقوا بأن يرضى عنهم خصماؤهم ورضاهم قد يكون بالاقتصاص
كما مضى في حديث أبي هريرة وقد يكون بأن يثيب الله المظلوم خيرا من مظلمته ويعفو
عن الظالم برحمته
340 - عن عباس بن مرداس: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة
لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء
فأوحى الله إليه: " أني قد فعلت إلا الظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما
بينهم وبيني قد غفرتها، فقال : يا رب إنك
قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم " فلم يجبه
تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد
الدعاء فأجابه " إني قد غفرت لهم".
قال : فتبسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له
بعض أصحابه: يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها ؟ قال :" تبسمت من
عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل
والثبور ويحثو التراب على رأسه ".
قال البيهقي رحمه الله : وهذا الحديث له شواهد
كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإن لم يصح فقد قال
الله عز وجل :(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وظلم بعضهم بعضا دون الشرك.
وفي
الحديث الثابت عن زيد بن وهب عن أبي ذر عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :" أتاني
جبريل فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" قال:
قلت يا رسول الله: وإن زنى وإن سرق ؟ قال :"وإن زنى وإن سرق ".
341 - ثنا الأعمش ثنا زيد بن وهب فذكره في حديث
طويل رواه البخاري في الصحيح عن عمر بن حفص وأخرجه مسلم من أوجه أحدها عن الأعمش
قال
البيهقي رحمه الله : رواه أبو الأسود الديلي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :" ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم
مات على ذلك إلا دخل الجنة" قال: قلت : وإن زنى وإن سرق قال:" وإن
زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" وقد أخرجاه في الصحيح وله شواهد عن أبي
الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وعبادة
بن الصامت وجابر بن عبد الله وغيرهم عن النبي
صلى الله عليه وسلم .
وليس بين
هذه الأحاديث وبين حديث أبي هريرة وأبي سعيد منافاة.
وقد يكون دخوله الجنة بعد الاقتصاص والاقتصاص قد
يكون بالتعذيب على ما طرح عليه من السيئات فيبقى مرتهنا بسيئاته وسيئات خصمه وقد
يثيب الله تعالى المظلوم ويعفو عن الظالم إن صح الخبر الوارد به أما التعزير
بالنفس فما لا يرضاه عاقل ومن لا يصبر على وجع سن وحمى يوم فحقيق أن يحترز من أمر
يعرضه لعذاب وجيع وعقاب أليم، لا يعلم شدته ولا نهايته إلا الله عز وجل، وقد جاء في حديث أبي ظلال عن أنس بن مالك عن
النبي صلى الله عليه وسلم :" أن عبدا في جهنم يُنادي ألف سنة يا
حنان يا منان حتى يأمر به جبريل عليه السلام فيخرجه منها" نعوذ بالله من عذاب الله
عز وجل .
فصل
في كيفية انتهاء الحياة الأولى
وابتداء الحياة الأخرى وصفة يوم القيامة
قال
البيهقي رحمه الله: أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تسمى أشراط الساعة
وهي أعلامها: منها: خروج الدجال ، ونزول
عيسى بن مريم عليه السلام، وقتله الدجال.
ومنها: خروج
يأجوج ومأجوج.
ومنها:
خروج دابة الأرض .
ومنها: طلوع الشمس من مغربها فهذه هي الآيات
العظام.
وأما ما
يتقدم هذه من قبض العلم ، وغلبة الجهل ، واستعلاء أهله وبيع الحكم، وظهور المعازف،
واستفاضة شرب الخمر، واكتفاء النساء بالنساء، والرجال بالرجال ، وإطالة البنيان، وإمارة الصبيان، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، وكثرة الهرج، وغير ذلك فإنها أسباب حادثة ، ورواية الأخبار
المنذرة بها بعد ما صار الخبر عيانا تكلف، وقد رويناها مع ما ورد في الأعلام العظام في
كتاب البعث والنشور فأغنى عن إعادتها ها هنا وبالله التوفيق.
وإذا
انقضت الأشراط وجاء الوقت الذي يريد الله عز وجل إماتة الأحياء من سكان السماوات
والبحار والأرضين ، أمر إسرافيل عليه السلام وهو أحد حملة العرش في قول بعض أهل
العلم وصاحب اللوح المحفوظ فينفخ في الصور وهو القرن .
344 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور
قال:"
قرن ينفخ فيه ".
345- ثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال: سمعت
يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال : سمعت رجلا قال لعبدالله بن عمرو إنك تقول
الساعة تقوم كذا وكذا فقال: لقد هممت ألا أحدثكم بشيء، إنما قلت إنكم ترون بعد قليل أمرا عظيما، فكان
حريق البيت . فقال شعبة هذا أو نحوه قال
عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :" يخرج الدجال في أمتي
فيمكث فيهم أربعين لا ندري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما. فيبعث الله عز وجل عيسى بن مريم كأنه عروة بن
مسعود الثقفي فيطلبه فيُهلكه، ثم يلبث
الناس بعده سبع سنين ليس بين اثنين عداوة. ثم يرسل الله عز وجل ريحا باردا من قبل الشام ، فلا
يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل
لدخلت عليه حتي تقبضه قال : سمعتها من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ويبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون
منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها، وهم في
ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغي ليتا - ورفع بندار إحدى منكبيه - وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق، ثم لا يبقى
أحد إلا صعق، ثم يرسل أو ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل- النعمان الشاك- فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا
هم قيام ينظرون، ثم يُقال: يا أيها الناس
هلموا إلى ربكم عز وجل ، وقفوهم إنهم مسؤولون ، ثم يقال: أخرجوا بعث النار، فيقال
كم ؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون"
قال محمد
بن جعفر وحدثني شعبة بهذا الحديث مرات وعرضته عليه
رواه
مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار.
قال
البيهقي رحمه الله : ولم يذكر عبد الله بن عمرو في هذا الحديث سائر الاعلام من
خروج يأجوج ومأجوج والدابة وطلوع الشمس من مغربها وقد ذكر غيره خروج يأجوج ومأجوج
بعد نزول عيسى بن مريم وإرسال الله عليهم النغف وموتهم في قيام الساعة بعد ذلك
وذكر هو عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها
وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها وقال من
قبل نفسه: فأظن أولها خروجا طلوع الشمس من
مغربها وإنما قال ذلك عبد الله بن عمرو حين أخبر بقول مروان بن الحكم ان أول
الآيات خروجا الدجال فإذا كان حديث عبد الله صحيحا فهو أولى من غيره وهو صحيح لا
شك فيه لصحة إسناده والله أعلم ولا شك في كون هذه الآيات قبل النفخ في الصور تقدم بعضها
أو تأخر وكلما هو آت قريب .
346 - عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:" كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه وأصغى سمعه
وحنا جبينه ينتظر متى يؤمر فينفخ " قالوا : يا رسول الله كيف نقول؟
قال :
"قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ".
قال البيهقي رحمه الله: فإذا نفخ في الصور فصعق
من في السماوات ومن في الأرض كما قال الله عز وجل:( ونفخ في الصور فصعق من في
السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) الزمر 68
واختلفوا في هذا الاستثناء فروي عن جابر بن عبد
الله أنه قال: موسى فيمن استثنى الله فإنه قد صعق مرة ، وهذا لما في الحديث الثابت
عن أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي حين قال : والذي اصطفى موسى على
البشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تفضلوا بين
أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله،
ثم يُنفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث أو في
أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أم بعث قبلي "
وهذا حديث صحيح .
قال البيهقي رحمه الله : ووجهه عندي أن
نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر عن رؤية جماعة من الأنبياء ليلة المعراج
وإنما يصح ذلك على تقدير أن الله تعالى رد إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم فإذا
نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه
إلا في ذهاب الاستشعار فإن كان موسى ممن استثنى عز وجل بقوله إلا من شاء الله فإنه
لا يذهب استشعاره في تلك الحالة والله أعلم .
وروينا عن سعيد بن جبير أنه قال: هم الشهداء ثنية
الله عز وجل مقلدي السيوف حول العرش.
وروي فيه
حديث مرفوع عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية وقال :"
ومن الذين لم يشأ الله عز وجل أن يصعقوا؟ قال: هم شهداء الله عز وجل وهذا
لأن الله عز وجل أخبر في كتابه :أنهم( أحياء عند ربهم يرزقون) فلا يموتون
في النفخة الأولى فيمن يموت من الأحياء والله أعلم .
وروينا عن زيد بن أسلم أنه قال:" الذين استثنى الله عز وجل اثنا عشر جبريل
وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش ثمانية".
وذهب
الحليمي رحمه الله إلى اختيار قول من قال إن الاستثناء لأجل الشهداء ورواه عن بن
عباس ، وحمل قول النبي صلى الله عليه
وسلم في موسى عليه السلام على أنه لم يدر
أبعث قبل غيره من الأنبياء تخصيصا له عليه السلام كما فُضل في الدنيا بالتكليم أو
قدم بعثه على بعث غيره من الأنبياء عليهم السلام بقدر صعقته عندما تجلى ربه للجبل
إلى إن أفاق ليكون هذا جزاء له بها وليس فيه أن يموت عند النفخة الأولى.
وضعف قول
من زعم الاستثناء لأجل الملائكة الذين سماهم لأنهم ليسوا من سكان السماوات والأرض
لأن العرش فوق السماوات كلها وجبريل وميكائيل من الصافين المسبحين حول العرش فلم
يدخلوا في الآية .
وكذلك لا يدخل فيها الولدان والحور لأن الجنة فوق
السماوات والآية في سكان السماوات والأرض، ثم قد ورد في بعض الآثار أنه يميت حملة العرش
ويميت جبريل وميكائيل وملك الموت ثم ينادي لمن الملك اليوم فلا يجبه أحد فيقول هو
لله الواحد القهار.
وقد روي
فيه حديث مرفوع في إسناده ضعف وقد ذكرناه في كتاب البعث وأما الجنة وما فيها من
الحور الحيوان فإنها خلقت للبقاء لا للفناء وهي دار لذة وسرور ولم يأتنا خبر بموت
من فيها فإن قيل قد قال الله عز وجل:( كل نفس ذائقة الموت) ( كل شيء
هالك إلا وجهه )
قال الحليمي رحمه الله :يحتمل أن يكون معناه ما
من شيء إلا وهو قابل للهلاك فيهلك إن أراد الله به ذلك إلا وجهه أي إلا هو فإنه
تعالى جده قديم والقديم لا يجوز عليه الفناء وما عداه محدث والمحدث إنما يبقى قدر
ما يبقيه محدثه فإذا حبس البقاء عنه فني . ولم يبلغنا في خبر أنه يهلك العرش
ويفنيه فلتكن الجنة مثله والله أعلم.
قال
البيهقي رحمه الله ورويناه عن سفيان الثوري انه قال في تفسير هذه الآية كل شيء
هالك إلا ما أريد به وجهه، وفي رواية إلا ما ابتغى به وجهه من الأعمال الصالحة .
349 - عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" بين النفختين أربعون "
قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال
أبيت. قالوا: أربعون شهرا ؟ قال: أبيت
قالوا:أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: ثم
ينزل الله عز وجل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل.
قال : وليس
من الإنسان بشيء إلا يبلي إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة .
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب عن أبي معاوية
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الأعمش.
فصل
وإذا أحي الله تبارك وتعالى الناس كلهم قاموا
عجلين ينظرون ما يراد بهم لقوله تعالى:( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)
وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار أنهم يقولون
:( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا
) وأنهم يقولون :( هذا يوم
الدين ) فيقول لهم الملائكة :( هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) ثم يحشر الناس إلى موقف العرض والحساب وهو
الساهرة فقال الله عز وجل:( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) .
قال البيهقي رحمه الله : وروينا عن وهب بن منبه
أنه قرأ هذه الآية وهو يومئذ ببيت المقدس فقال ها هنا الساهرة يعني بيت المقدس .
وروينا عن بن عباس موقوفا ومرفوعا ما دل على أن
الشام أرض المحشر
قال الحليمي رحمه الله: ومعناه فأذاهم قد صاروا
على وجه الأرض بعد أن كانوا في جوفها،
وروينا في الحديث الثابت عن سهل بن سعد عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يحشر الناس يوم القيامة على أرض
بيضاء عفراء كقرصة النقي "وفي رواية كالقرصة النقي ليس فيها لأحد علم
والنقي: الخبز الحواري وقوله : "ليس فيها علم "يريد أرضا مستوية
ليس فيها جدب ولا بناء،
وأما صفة
الحشر فقد قال الله عز وجل :(يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، ونسوق
المجرمين إلى جهنم وردا )
روينا عن
علي بن أبي طلحة عن بن عباس أنه قال في قوله:( وفدا) ركبانا ،
وفي قوله:( وردا )عطاشا
353 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الناس على ثلاث طرائق
راغبين راهبين ، اثنان على بعير، وثلاثة
على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث
قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا"
ورواه البخاري عن معلى بن أسد .
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب.
قال
الحليمي رحمه الله : فيحتمل أن يكون قول النبي
صلى الله عليه وسلم يحشر الناس على
ثلاث طرائق أشار إلى الأبرار والمخلطين والكفار، فالأبرار الراغبون إلى الله جل ثناءه فيما أعد
لهم من ثواب ، والراهبين الذين هم بين الخوف والرجاء، فأما الأبرار فإنهم يؤتون بالنجائب كما روي في
حديث علي ، وأما المخلطون فهم الذين أريدوا في هذا الحديث أنهم يحملون على الأبعرة
والأشبه أنها لا تكون من نجائب الجنة ، لأن من هؤلاء من لا يغفر له ذنوبه حتى
يعاقب بها بعض العقوبة، ومن أكرم بشيء من
نعيم الجنة لم يهن بعده بالنار.
قال
البيهقي رحمه الله : وروي علي بن زيد بن جدعان وليس بالقوي عن أوس بن خالد عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة
أصناف ركبانا ومشاة وعلى وجوههم " فقال رجل : يا رسول الله ويمشون على
وجوههم؟ قال:" الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم"
وهذا إن
صح فكأن بعض المخلطين من المؤمنين يكون راكبا كما جاء في الحديث الأول وبعضهم يكون
ماشيا كما جاء في الحديث أو يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض
وأما المشاة على وجوههم فهم الكفار ويحتمل أن
يكون بعضهم أعتى من بعض فهؤلاء يحشرون على وجوههم والذين هم أتباع يمشون على
أقدامهم فإذا سيقوا من موقف الحساب إلى جهنم سحبوا على وجوههم قال الله عز
وجل :( يوم يسحبون في النار على وجوههم ) وقال:( الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم
أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ) ويكونون في تلك الحالة عميا وبكما وصما قال الله
تعالى:( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم) وقبل
ذلك يكونون كاملي الحواس والجوارح لقوله تعالى:( يتعارفون بينهم )وقوله:( يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا)
وسائر
ما أخبر الله عز وجل عنهم من أقوالهم ونظرهم وسمعهم فإذا أدخلوا النار ردت إليهم
حواسهم ليشاهدوا النار وما أعد لهم فيها من العذاب قال الله تعالى:( كلما ألقي
فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ) وسائر
ما أخبر الله عنهم من أقوالهم وسمعهم ونظرهم فإذا نودوا بالخلود سلبوا أسماعهم قال
الله عز وجل:( لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون )
وقد قيل: إنهم يسلبون أيضا الكلام لقوله تعالى :( اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) المؤمنون 108.
وروينا
عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قام في الناس فوعظهم فقال :" أيها
الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قرأ( كما بدأنا أول خلق نعيده) وأن
أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام"
وعن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال:" تحشرون يوم
القيامة حفاة عراة غرلا "فقلت :يا رسول الله الرجال من النساء؟ " فقال:
يا عائشة ، الأمر يومئذ أشد من ذلك"
والذي
يدل عليه ما قدمنا ذكره أن ذلك يكون حال خروجهم من قبورهم ثم يكرم المتقون ومن شاء
من المخلطين المؤمنين بالكسوة والركوب كما قدمنا ذكره والله أعلم.
والذي
روي في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم :"يبعث الميت في
ثيابه التي يموت فيها" يحتمل أن يكون المراد في أعماله التي يموت عليها
من خير أو شر كقوله صلى الله عليه
وسلم في رواية جابر: "يبعث كل عبد
على ما مات عليه" وقد يحتمل أن يبعث في ثيابه التي يموت فيها ثم تتناثر
عنه أو عن بعضهم ثم يحشر إلى موقف الحساب عاريا ثم يكسى بعد ذلك من ثياب الجنة
والله أعلم .
وأما قول الله عز وجل في صفة الكفار يوم القيامة :(خاشعة
أبصارهم )وقوله :(خشعا أبصارهم) فإن المراد بذلك والله أعلم حال مضيهم
إلى الموقف ، وقوله :(مهطعين مقنعي رؤسهم ) وإنما هو إذا طال القيام عليهم
في الموقف فيصيرون في الحيرة كأنهم لا قلوب لهم ويرفعون رؤوسهم فينظرون النظر
الطويل الدائم ولا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جهلوه والناس في
القيامة لهم أحوال ومواقف واختلف الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم وأما قول
الله عز وجل:( فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) .
فقد روينا عن بن عباس أنه قال هذا في النفخة
الأولى ينفخ في الصور
فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء
الله فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ثم إذا نفخ في النفخة الأخرى قاموا (فأقبل
بعضهم علي بعض يتساءلون) .
فصل
قد روينا
عن بن عباس أنه قال في قوله عز وجل :(ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا )يقول
عطاشا والأخبار تدل على أن العطاش يعم الناس في ذلك اليوم إلا أن المجرمين لا يسكن
عطشهم ولكنه يزداد حتى يوردوا النار فيشربون الحميم شرب الهيم نعوذ بالله من عذاب
الله ، وأما المتقون ومن شاء الله من المخلطين المؤمنين فإنهم يسقون من حوض
نبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا صفة الحوض وصفة مائة في كتاب البعث
والنشور
354 - ثنا سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني فرطكم على
الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا" وذكر الحديث أخرجاه في الصحيح
.
قال البيهقي رحمه الله ويشبه أن يكون عطش المتقين
لكي إذا سقوا من حوض المصطفى صلى الله
عليه وسلم وجدوا لذة الماء إذ الريان لا
يستلذ الماء كما يستلذه العطشان والله أعلم .
فصل
قال
البيهقي رحمه الله: ذكر الله عز وجل في
كتابه ما يكون في الأرض من زلزالها، وتبديلها ، وتغيير هيئتها ومدها ، وما يكون في
الجبال وتسييرها ونسفها ، وما يكون في البحار وتفجيرها وتسجيرها ، وما يكون في
السماء وتشقيقها وطيها ، وما يكون في الشمس من تكويرها، وفي القمر من خسفه ، وما
يكون في النجوم من انكدارها وانتثارها، وما يكون من شغل الوالدة عن ولدها ، ووضع
الحوامل ما في بطونها،
واختلف
أهل العلم في وقت هذا الكوائن فذهب بعض أهل التفسير إلى أن ذلك يكون بعد النفخة
الأولى وقبل الثانية وروي ذلك الحديث الذي ذكرناه بإسناده عن محمد بن كعب عن رجل
من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الصور .
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن ذلك إنما يكون بعد
النفخة الثانية وخروج الناس من قبورهم ووقوفهم يوم القيامة قبلها ينظرون ليكون ذلك
رعب لعرضهم وأشد لحالهم وعلى هذا يدل سياق أكثر الآيات التي وردت في هذه الكوائن
وكذلك روي عن بن عباس في الحديث الذي ذكرنا إسناده في صفة القيامة وقد ذكرنا أحد
الحديثين في كتاب البعث والنشور آخره. وعلى مثل ذلك يدل أكثر الأحاديث فمنها حديث
أبي سعيد الخدري وغيره في بعث النار .
355 - عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقول تبارك
وتعالى يوم القيامة قم يا آدم ابعث بعث النار فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك
وما بعث النار؟ قال: فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون قال : فحينئذ يشيب
المولود وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله
شديد فيقولون وأينا ذلك الواحد؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم تسعمائة وتسع
وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد فقال الناس الله أكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة والله إني
لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة والله أني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبر
الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة
البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض"
رواه
مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع.
قال
البيهقي رحمه الله وأخرجاه من حديث جرير عن الأعمش وفي حديثه أبشروا فإن من يأجوج
ومأجوج ألفا ومنكم رجل .
وروينا في حديث عمران بن حصين وأنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى:( يا أيها الناس اتقوا ربكم
إن زلزلة الساعة شيء عظيم) إلى آخر الآيتين ثم قالا معنى ما رواه أبو سعيد غير
أن في حديثهما قال :"اعملوا وأبشروا والذي نفس محمد بيده إن معكم لخليقتين
ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بني آدم وبني إبليس "وقالوا
ومن هما؟ قال:" يأجوج ومأجوج ".
وروينا عن عائشة أنها قالت :يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت قول الله عز وجل:( يوم تبدل الأرض غير
الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) أين الناس يومئذ؟ قال:" على
الصراط" .
وفي حديث
ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة قال :"هم في الظلمة دون الجسر
والجسر هو الصراط " وأما قوله :(
وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت ) فمعناه قد ألقت ما فيها
وقوله تعالى:( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت
الأرض أثقالها ) معناه وقد أخرجت الأرض أثقالها وسياق الآية يدل على ذلك . وقوله:( فإذا نفخ في الصور
نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا
دكة واحدة) فمعناه النفخة الآخرة والله أعلم .
فصل
في معنى
قول الله عز وجل
(تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة )
روينا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته جيء به يوم
القيامة وبكنزه فيحمى صفائح في نار جهنم فيكوى بها جبهته وجبينه وظهره حتى يحكم
الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
وروينا عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس أنه قال في
قوله :(يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ) قال هذا في الدنيا وقوله :( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فهذا يوم القيامه جعله الله على الكافرين مقدار
خمسين ألف سنة .
وروينا عن أبي هريرة قال يوم القيامة على المؤمن
كقدر ما بين الظهر والعصر ويروى ذلك مرفوعا وروي في حديث بن لهيعة عن دراج عن أبي
الهيثم عن أبي سعيد قال سئل النبي صلى
الله عليه وسلم عن يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة ما طول هذا اليوم فقال:" والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن
حتى يكون أهون عليه من الصلوات المكتوبة يصليها في الدنيا" وقد ذكرنا
أسانيد هذه الأحاديث في كتاب البعث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق