الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مقاصد الشريعة الإسلامية 23

مقاصد الشريعة الإسلامية 23

مقاصد التشريع الخاصة بالمعاملات بين الناس



10
المقصد من العقوبات

        من أكبر مقاصد الشريعة هو حفظ نظام الأمة وليس يحفظ نظامها إلا بسد ثلمات الهرج والفتن والاعتداء ،
وأن ذلك لا يكون واقعا موقعه إلا إذا تولته الشريعة ونفذته الحكومة ، وإلا لم يزدد الناس بدفع الشر إلا سرا ،
كما أشار إليه قوله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل)

 وقد قال الله تعالى : ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) إلى أن قال : (أفحكم الجاهلية يبغون) 
كلاما مسوقا مساق  الإنكار والتهديد على كل من يهمس بنفسه حب تلك الحالة ،
 وإن كان سبب النزول خاصا ومن جملة حكم الجاهلية تولى المجنى عليه الانتقام .

        فمقصد الشريعة من تشريع الحدود والقصاص والتعزيز وأروش الجنايات ثلاثة أمور :
تأديب الجانى ، وإرضاء المجنى عليه ، وزجر المقتدى بالجناة .

        الأول هو التأديب :
        بإقامة العقوبة على الجانى يزول من نفسه الخبث الذى بعثه على الجناية ،
 والذى يظن أن عمل الجناية أرسخه فى نفسه إذ صار عمليا بعد أن كان نظريا .

 ولذلك فرع الله تعالى على إقامة الحد قوله : 
( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) ، وأعلى التأديب الحدود ؛ لأنها مجعولة لجنايات عظيمة .

 وقد قصدت الشريعة من التشديد فيها انزجار الناس وإزالة خبث الجانى .
 ولذلك متى تبين أن الجناية كانت خطأ لم يثبت فيها الحد .

 ومتى ظهرت شبهة للجانى فقد التحقت بالخطأ فتسقط الحدود بالشبهات ،
ثم إذا ظهر فى الخطأ شئ فى التفريط فى أخذ الحذر يؤدب المفرط بما يفرض من الأدب لمثله .

        وأما الثانى إرضاء المجنى عليه :
فلأن فى طبيعة النفوس الحنق على من يعتدى عليها عمدا والغضب ممن يعتدى خطأ فتندفع إلى الانتقام ،
وهو انتقام لا يكون عادلا أبدا ؛ لأنه صادر عن حنق وغضب تختل معهما الروية وينحجب بهما نور العدل .

        كان من مقاصد الشريعة أن تتولى هى هذه الترضية وتجعل حدا لإبطال الثارات القديمة .
        إرضاء المجنى عليه  أعظم فى نظر الشريعة من معنى تربية الجانى ،
 ولذلك رجح عليه حين لم يكن الجمع بينهما ، وهى صورة القصاص ؛ 
فإن معنى إصلاح الجانى فائت فيها ترجيحا لإرضاء المجنى عليه .

       وأما الأمر الثالث ، وهو زجر المقتدى :
 فهو مأخوذ من قوله تعالى : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
 قال ابن العربى فى أحكام القرآن :
 ( إن الحد يردع المحدود ومن شهده وحضره ويتعظ به ويزدجر لأجله ويشيع حديثه فيعتبر به من بعده ) .

       كل مظهر أثر انزجارا فهو عقوبة ، ولكنه لا يجوز أن يكون زجر العموم بغير العدل ،
فلذلك كان من حكمه الشريعة أن جعلت عقوبة الجانى لزجر غيره فلم تخرج عن العدل فى ذلك

 

 

ليست هناك تعليقات: