الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مقاصد الشريعة الإسلامية 18

مقاصد الشريعة الإسلامية 18
 

مقاصد التشريع الخاصة بالمعاملات بين الناس

 

الملك والتكسب


5
الملك والتكسب

     لإثراء الأمة وأفرادها طريقان : أحدهما التملك ، والثانى التكسب .

 فالتملك هو أصل الإثراء البشرى ، 
وهو اقتناء الأشياء التى يستحصل منها ما تسد به الحاجة بغلاته أو بأعواضه ، أى أثمانه .

      والأصل الأصيل فى التملك الاختصاص ،
 فقد كان من أصول الحضارة البشرية أن يدأب المرء إلى تحصيل ما يحتاج إليه لتقويم أود حياته وسلامته .

      البنوك : جمع بنك كلمة فرنسية مأخوذة من كلمة : بانكو فى اللغة اللاتينية
ومعناها محل جلوس للكتابة أو مجلس مطلقا ، ثم أطلقت على المقعد الذى يتخذه الصيرفى لصرف النقود ،
ثم توسعوا فيه فصار بمعنى الدار التى يشتغل فيها جماعة من الصيارفة للصرف ، وتحويل الحوالات التجارية والسفاتج .
      كانت أسباب التملك فى الشرع هى :
      ـ الاختصاص بشئ لاحق لأحد فيه كإحياء الموات .
      ـ والعمل فى الشئ مع مالكه كالمغارسة .
      ـ والتبادل بالعوض كالبيع والانتقال من المالك إلى غيره كالتبرعات والميراث .
       أصل الشريعة فى تصرفات الناس فى أموالهم و مملوكاتهم هو :
إطلاق التصرف لهم للأحرار الرشداء منهم فلا ينتقض ذلك الأصل إلا إذا كان المالك غير متأهل
لذلك التصرف وقصور التصرف يكون لصبى أو سفه (أى : اختلال العقل فى التصرف المالى)
أو إفلاس مدين أو عدم حرية أو حجر فى جميع المال ، أو بعضه فهذا فى التبرع مما ادعى الثلث من مريض مرضا مخوفا ،
 ومن تصرف معلق مما بعد الموت وهو الوصية ، وما يؤول إليها من تبرع ، وتبرع ذات الزوج بما زاد على ثلث مالها .

أما التكسب فهو معالجة إيجاد ما يسد الحاجة إما بعمل البدن أو بالمرضاة مع الغير .

وأصول التكسب ثلاثة : الأرض ، والعمل ، ورأس المال .

       للأرض المكانة الأولى فى هذه الأصول الثلاثة .

       أما العمل فهو وسيلة استخراج معظم منافع الأرض .
 وهو أيضا طريق لإيجاد الثروة بمثل الإيجار والاتجار .

       أما رأس المال فوسيلة لإدامة العمل للإثراء ، وهو :
 مال مدخر لإنفاقه فيما يجلب أرباحا  وإنما عد رأس المال من أصول الثروة لكثرة الاحتياج إليه .
 المقصد الشرعى فى الأموال كلها خمسة أمور
رواجها ، ووضوحها ، وحفظها ، وثباتها ،والعدل فيها .

      فالرواج  دوران المال بين أيدى أكثر من يمكن من الناس بوجه حق .

وهو مقصد عظيم شرعى دل عليه الترغيب فى المعاملة بالمال ومشروعية التوثق فى انتقال الأموال من يد إلى أخرى .

      قال النبى (صل الله عليه وسلم) :
 ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة .

      محافظة على مقصد الرواج 
شرعت عقود المعاملات لنقل حقوق الملكية بمعاوضة أو بتبرع وهى من قسم الحاجى كما تقدم .

      تسهيلا للرواج
شرعت عقود مشتملة على شئ من الغرر مثل : المغارسة و السلم والمزارعة والقراض .
حتى عدها بعض علمائنا رخصا باعتبار أنها مستثناة من قاعدة الغرر ، وإن لم يكن فيها تغيير حكم من صعوبة إلى سهولة لعذر .

       لأجل مقصد الرواج
كان الأصل فى العقود المالية اللزوم دون التخيير إلا بشرط .

       من معانى الرواج المقصود انتقال المال بأيد عديدة فى الأمة على وجه لا حرج فيه على مكتسبه .

       تيسير دوران المال على آحاد الأمة وإخراجه عن أن يكون قادرا فى يد واحدة متنقلا من واحد إلى واحد
 مقصد شرعى ، فهمت الإشارة إليه من قوله تعالى فى قسمة الفئ : 
(كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) . فالدُولة بضم الدال تداول المال وتعاقبه أى : 
كيلا يكون مال الفئ يتسلمه غنى من غنى .

        أوجب الوصية للأقارب بأية :
(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) .

 ثم نسخ بشرع المواريث المبين فى القرآن والسنة ،
 ولم يجعل لصاحب المال حق فى صرفه بعد موته إلى فى ثلث ماله أن يوصى به لغير وارث ،
 فتم مقصد التوزيع بحكمة وهى جعل المال صائرا إلى قرابة صاحبه ؛ لأن ذلك مما لا تشمئز منه نفسه ،
 ولأن فيه عونا على حفظ المال فى دائرة القبيلة . وإنما تتكون الأمة من قبائلها فيؤول إلى حفظه فى دائرة جامعة الأمة .

        من وسائل رواج الثروة القصد إلى استنفاد بعضها
وذلك بالنفقات الواجبة على الزوجات والقرابة فلم يترك ذلك لإرادة القيم على العائلة بل أوجب الشرع عليه 
الإنفاق بالوجه المعروف .
        من طرق الاستنفاد نفقات التحسين و الترفه ،
وهى وسيلة عظيمة لانتفاع الطبقتين الوسطى والدنيا فى الأمة من أموال الطبقة العليا .
وهى أيضا عون عظيم على ظهور مواهب أهل الصنائع والفنون فى تقديم نتائج أذواقهم وأناملهم .
        الشريعة لم تعمد إلى هذا النوع من الاستنفاد بالطلب الحثيث اكتفاء بما فى النفوس من الباعث عليه .

        من وسائل رواج الثروة تسهيل المعاملات بقدر الإمكان وترجيح جانب ما فيها من المصلحة
على ما عسى أن يعترضها من خفيف المفسدة .

         الأصل فى سهولة الرواج يعتمد :
خفة النقل ، وقبول طول الادخار ، ووفرة الرغبات فى التحصيل ، وتيسر التجزئة إلى أجزاء قليلة .

         أهم ما اصطلح عليه البشر فى نظام حضارتهم المالية وضع النقدين أعواضا للتعامل .

         التعامل بالنقدين أيسر من التعامل بالأعيان من الأشياء من سائر الجهات .

         إلا أن النقدين عند حالة الاضطرار مثل حالة الحصار وحالة الجدب والمجاعة لا تغنى عن أصحابها شيئا ،
فالنقدان عوضان صالحان بغالب أحوال البشر ، وهى أحوال الأمن واليسر والخصب .

        من أحسن ما ظهر فيه مزية التعامل بالنقدين أنه يمكن فيه تمييز البائع من المشترى ؛
 فباذل النقد مشتر وباذل العوض بائع .

        كان كثير من التعامل فى الإسلام فى عهد النبوة حاصلا بطريقة المعاوضة .
فلذلك كثرت المنهيات من بيع الأشياء بأمثالها ؛ لأن غالب تلك البيوع كان يتطرقه الغرر والتغابن ،
 ولعسر ضبط قيمة العوض ، ولكثرة اختلاف صفات وأنواع فى الجودة والرداءة والجدة والقدم .

        ظهر من هذا كله أن من مقاصد الشريعة تكثير التعامل بالنقدين ليحصل الرواج بهما .
        وما أحسب نهى رسول الله (صل الله عليه وسلم) عن استعمال الرجال الذهب والفضة
إلا لحكمة تعطيل رواج النقدين بكثرة الاقتناء المفضى إلى قلتهما .

        أما وضوح الأموال
فذلك إبعادها عن الضرر والتعرض للخصومات بقدر ؛ الإمكان ولذلك شرع الإشهاد والرهن فى التداين.
       أما حفظ الأموال
فأصله قول الله تعالى : (يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
       وقول النبى (صل الله عليه وسلم) فى خطبة حجة الوداع :
 (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا)
 وقوله : (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) .
 وقوله : (من قتل دون ماله فهو شهيد)
 وهو تنويه بشأن حفظ المال والمحافظة عليه وعظم إثم المعتدى عليه .

وإذا كان ذلك حكم حفظ مال الأفراد فحفظ مال الأمة أجل و أعظم .

      حق على ولاة أمور الأمة و متصرفى مصالحها العامة
 النظر فى حفظ الأموال العامة سواء تبادلها مع الأمم الأخرى وبقاؤها بيد الأمة الإسلامية .

فمن الأول : سن أساليب تجارة الأمة مع الأمم الأخرى ،
ودخول السلع وأموال الفريقين إلى بلاد الأخرى كما فى أحكام التجارة إلى أرض الحرب ،
 وأحكام ما يتخذ من تجار أهل الذمة والحريين على ما يدخلونه من السلع إلى بلاد الإسلام وأحكام الجزية والخراج .

        ومن الثانى : نظام الأسواق والاحتكار وضبط مصارف الزكاة والمغانم ونظام الأوقاف العامة .
 وحق على من ولى مال أحد أن يحفظه ،وحق على كل أحد احترام مال غيره ؛
 ولذلك تقرر غرم المتلفات وجعل سببها الإتلاف ولم يلتفت فيها إلى نية الإتلاف ؛ لأن النية لا أثر لها فى ذلك .

         أما إثبات الأموال فأردت به تقررها لأصحابها بوجه لا خطر فيه ولا منازعة .

فمقصد الشريعة فى ثبات التملك والاكتساب أمور .
      الأول : أن يختص المالك الواحد أو المتعدد بما تملكه بوجه صحيح بحيث لا يكون فى اختصاصه به
وأحقيته تردد ولا خطر . فليس يدخل على أحد فى ملكه منع اختصاصه إلى إذا كان لوجه مصلحة عامة .

      الثانى : أن يكون صاحب المال حر التصرف فيما تملكه أو اكتسبه تصرفا لا يضر بغيره ضرا معتبرا 
ولا اعتداء فيه على الشريعة .

      الثالث : أن لا ينتزع منه بدون رضاه . إذا تعلق حق الغير بالمالك وامتنع من ادائه ألزم بأدائه .
ومن هنا جاء بيع الحاكم والقضاء بالاستحقاق .

ولرعى هذا المقصد كان المتصرف بشبهة فى عقار فائزا بغلاته التى استغلها إلى يوم الحكم عليه
 بتسليم العقار لمن ظهر أنه مستحقه .

      تقريرا لهذا المقصد قررت الشريعة التملك الذى حصل فى زمان الجاهلية بأيدى من صار إليهم فى تلك المدة ومن انتقل إليهم منها .
فقد قال رسول الله (صل الله عليه وسلم) : (أيما دار أو أرض قسمت فى الجاهلية فهى على قسم الجاهلية ،
 و أيما دار أو أرض أدركها الإسلام فلم تقسم فهى على قسم الإسلام) .

       العدل فيها فذلك بأن يكون حصولها بوجه غير ظالم ، وذلك إما أن تحصل بعمل مكتسبها ،
وإما بعوض مع مالكها أو تبرع ، وإما بإرث .

 ومن مراعاة العدل حفظ المصالح العامة ودفع الأضرار .

وذلك فيما يكون من الأموال تتعلق به حاجة طوائف من الأمة لإقامة حياتها ، مثل الأموال التى هى غذاء وقوت ،
 والأموال التى هى وسيلة دفاع العدو عن الأمة مثل اللأمة و الآطام بالمدينة فى زمن النبوة .

فتلك الأموال وإن كانت خاصة بأصحابها إلا أن تصرفهم فيها لا يكون مطلق الحرية كالتصرف فى غيرها .

       فى صحيح البخارى من حديث ابن عمر :
أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبوءة فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام . 
وكانوا يضربون على أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم ؛ ولذلك كان من الحق إبطال الاحتكار فى الطعام .

وفى الموطأ أن عمر بن الخطاب قال :
(لا حكرة فى سوقنا لا يعمد رجال بأيديهم فضول من إذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ،
ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ، فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء وليملك كيف شاء ) .

 

ليست هناك تعليقات: