الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مقاصد الشريعة الإسلامية 19

مقاصد الشريعة الإسلامية 19

مقاصد التشريع الخاصة بالمعاملات بين الناس 

 

6
مقاصد الشريعة فى المعاملات المنعقدة
على عمل الأبدان

     الأصلان العظيمان من أصول الثروة ، وهما المال والعمل .
     المعاملات المنعقد على عمل الأبدان هى : إجارة الأبدان والمساقاة والمغارسة والقراض والجعل والمزارعة .
 وهى كلها عقود على عمل المرء ببدنه وعقله ، وعلى قضاء وقت من عمره فى ذلك ما عدا المغارسة ،
 فإن فيها إحضار متمول قليل من جهة عاملها ، وهو الأعواد المغروسة إلا أنها تافهة بالنسبة إلى أهمية العمل .
وكذلك ما يحصل فى المساقاة بقلة من إصلاح دلو وإصلاح الحوض .
فهذه العقود لا تخلو من غرر لعسر انضباط مقادير العمل المتعاقد عليه ،
 وعسر معرفة العامل ما ينجر إليه من الربح من جراء عمله ، ولعسر انضباط ما ينجر إلى صاحب المال فيها من إنتاج أو عدمه ،
 غير أن الشريعة ألغت هذا الغرر ؛ لأن إضرار مراعاته أشد من إضرار إلغائه ،
 لما فى مراعاته من حرمان كثير من الأمة فوائد السعى والاكتساب .

 وهى أيضا لا تخلو من إضرار يلحق العامل فى احوال كثيرة إذا عمل عمله فى المساقاة أو المزارعة فلم يثمر الشجر ،
أو عمل فى الجعل فلم يحصل المجامل عليه ، أو عمل فى القراض فلم ينض ربح .
 فيكون العامل قد أضاع الوقت وتجشم مشقة العمل ولم يحصل له شئ .
وقد ألغت الشريعة هذا ؛ لأن بقاء أهل العمل بطالين أشد عليهم من أضرار الخيبة فى بعض الأحوال .

        المقاصد الشرعية فيها ثمانية :
        أحدها : تكثير المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان . 
        قد أعطى الأنصار حوائطهم للمهاجرين على أن يكفوهم العمل ولهم نصف الثمرة .
وعامل رسول الله (صل الله عليه وسلم) يهود خيبر على أن عليهم عمل النخل ولهم نصف الثمرة
مع العلم بأن أرض خيبر صارت للمسلمين .؛ لأنها فتحت عنوة .

       الثانى : الترخيص فى اشتمالها على الغرر المتعارف فى أمثالها .
وينبغى أن لا تغفل عن كون الغرر المغتفر هو الغرر فيما يعسر انضباطه من العمل ومدته واختلاف أزمانه من حر وقر .
فأما ما يتيسر فيه ذلك فلابد من ضبطه وبيانه .

      الثالث : التحرر عما يثقل على العامل هذه العقود .

      الرابع : أن هذه العقود لم يعتبر لزوم انعقادها بمجرد القول بل جعلت على الخيار إلى أن يقع الشروع فى العمل عندنا .

 وعندى - محمد الطاهر بن عاشور -  أنه ينبغى أن تكون جميع العقود المشتملة على عمل البدن غير لازمة القول
بل تلزم بالشروع فى العمل

وحيث كان معنى ذلك آيلا إلى خيار العامل كان الوجه أن يضرب للعامل فى هذه العقود آجال لابتداء العمل
كشأن بيع الخيار بما ينفى المضرة عن صاحب المال ؛ مثل إبان ابتداء الخدمة فى المساقاة
وإبان الحراثة فى المزارعة وإبان ابتداء الغرس لذلك العام فى المغارسة كيلا يضيع بالتأخير على صاحب المال عام كامل .

      الخامس : إجازة تنفيل العملة فى هذه العقود بمنافع زائدة على ما يقتضيه العمل بشرط دون تنفيل رب المال .

      السادس : التعجيل بإعطاء عوض عمل العامل بدون تأخير ولا نظرة ولا تأجيل .

لأن العامل مظنة الحاجة إلى الانتفاع بعوض عمله ، إذ ليس له فى الغالب مؤثل مال .
 وفى الحديث القدسى قال الله تعالى : (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) - فذكر - 
(ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) .

 وهذا صادق بتأخير إعطائه أجره وبحرمانه منه بالكلية وإن كان الثانى أشد ،
فجعله كحق لله تعالى ولذلك قال : ( أنا خصمهم ) أى : دون صاحب الحق ،
 وهذا تنويه عظيم بهذا الحق وزجر شديد عن التهاون به .
 وفى حديث ابن عمر وجابر وأنس أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال :
(أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) 
ولذلك كان تأجيل خدمة المغارسة جائزا تحديده بقدر تبلغه الأشجار أو مدة أو إثمار .
ولا يجوز أن يكون التأجيل إلى مدة تتجاوز إبان الإثمار ، وهو من موجبات فساد العقد .

     السابع : إيجاد وسائل إتمام العمل للعامل فلا يلزم بإتمامه بنفسه .

 ولذلك قالوا فى عامل المساقاة إذا عجز عن الإتمام : إنه يأتى بعامل آخر لا يضر بصاحب الحائط ، 
ولو كان دون العامل الأول فى الأمانة .
وإذا لم يجد من يخلفه فى العمل فإن له أن يبيع حظه فى الثمار إذا بدا صلاحها ويستأجر من يكمل العمل 
ويكون للعامل الأول ما فضل .

      الثامن : الابتعاد عن كل شرط أو عقد يشبه استعباد العامل ،
 بأن يبقى يعمل طوال عمره أو مدة طويلة جدا بحيث لا يجد لنفسه مخرجا .

 

 

ليست هناك تعليقات: