الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مقاصد الشريعة الإسلامية 16

مقاصد الشريعة الإسلامية 16
 

مقاصد التشريع الخاصة بالمعاملات بين الناس

3

مقاصد أحكام العائلة

إنتظام أمر العائلات فى الأمه أساس حضارتها وانتظام جامعتها
 فلذلك كان الاعتناء بضبط نظام العائله من مقصد الشرائع البشريه كلها .
الأصل الأصيل فى تشريع أمر العائله هو :
إحكام آصرة النكاح، 
ثم إحكام آصرة القرابة
ثم إحكام آصرة الصهر
ثم إحكام كيفيه انحلال ما يقبل الانحلال من هذه الأواصر الثلاث.
آصرة النكاح
فكان اعتناء الشريعه بأمر النكاح من اسمى مقاصدها لأن النكاح جذم نظام العائله.
وقوام ذلك يحصل بثلاث :
الأمر الأول:أن يتولى عقد المرأه ولى لها خاص كان أو عام
 ليظهر أن المرأة لم تتول الركون إلى الرجل وحدها دون علم ذويها لأن ذلك أول الفروق بين النكاح والزنا.
ولأن تولى الولى عقد مولاته يهيئه إلى أن يكون عونا على حراسة حالها و حصانتها.
وأن تكون عشيرته وأنصاره وغاشيته وجيرته عونا له فى الذب عن ذلك.

واشتراط الولى فى عقد النكاح هو قول جمهور فقهاء الأمصار.

الأمر الثانى: أن يكون ذلك بمهر يبذله الزوج للزوجه،
 فإن المهر شعار النكاح.

فليس المهر فى الإسلام عوضا عن البضع كما يجرى على السنة بعض الفقهاء على معنى التقريب،
 اذ لوكان عوضا لروعى فيه مقدار المنفعه المعوض عنها.

ومن أجل هذا حرم نكاح الشغار لخلوه عن المهر.

ولذلك قال علماؤنا "النكاح مبنى على المكارمه،والبيع مبنى على المكايسه"

الأمر الثالث: الشهره لأن الإسرار بالنكاح يقربه من الزنا ولأن الأسرار به يحول بين الناس وبين الذب عنه واحترامه،
ويعرض النسل إلى اشتباه أمره، وينقص من معنى حصانة المرأة
قد يدعو داع الى الإسرار به عن بعض الناس كالضره المغايره فلذلك قد يغتفر اذا استكمل من جهة أخرى
مثل الإشهاد وعلم الكثير من الناس.

   يجب النظر فى أن التوثيق بتسجيل الاشهاد لعقد النكاح تسجيلا يقطع تأتى إنكاره أو الشك فيه ،
هل يقوم مقام الشهرة فى معظم حكمتها فذلك مجال للاجتهاد .

      فالشهرة بالنكاح تحصل معنيين :
      أحدهما : أنها تحث الزوج على مزيد الحصانة للمرأة إذ يعلم أن قد علم الناس اختصاصه بالمرأة
                  فهو يتعير بكل ما تتطرق به إليها الريبة .
      الثانى : أنها تبعث الناس على احترامها وانتفاء الطمع فيها إذ صارت محصنة .

آصرة النسب والقرابة
       تبتدئ آصرة القرابة بنسبة البنوة والأبوة .
ولكن النسل المعتبر شرعا هو الناشئ عن اتصال الزوجين بواسطة عقدة النكاح المتقدمة المنتفى عنها الشك فى النسب .

       ألحق التسرى بالنكاح فى صحة النسب الناشئ عنه ؛
 لأن السيد إذا اتخذ أمته سرية له حاطها من حراسته بأقوى مما يحوط به إماء الخدمة بدافع مركب من الجبلة والعادة ،
 فإذا صارت أم ولد له صارت لها أحكام خاصة .

 ولم ترخص الشريعة فى أن يتزوج الحر الأمة إذا كان يجد طولا ولم يخش عنتا
لما فى اجتماع سيادتين على المرأة من شبه تعدد الرجال للمرأة الواحدة .

       حرص الشريعة على حفظ النسب وتحقيقه ورفع الشك عنه
ناظرا إلى معنى عظيم نفسانى من أسرار التكوين الإلهى علاوة ما فى ظاهرة من إقرار نظام العائلة
ودرء أسباب الخصومات الناشئة عن الغيرة المجبولة عليها النفوس ، 
وعن تطرق الشك من الأصول فى انتساب النسل إليها والعكس .

وألحقت آصرة الرضاع بآصرة النسب بتنزيل المرضعة منزلة الأم وتنزيل الرضيع منزلة الأخ بقوله تعالى
 فى عد المحرم تزويجه : بقول النبى(صل الله عليه وسلم) :  (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .

       ثم نشأ عن قداسة آصرة القرابة إكساؤها إهاب الحرمة والوقار .
 فقررت الشريعة معنى المحرميه بالنسب ، وهو تحريم الأصول و الفروع فى النكاح حتى تكون القرابة التامة مرموقة
 بعين ملؤها عظمة ووقار وحب بجلال لا يخالطه شئ من معنى اللهو والشهوة ؛ فلأجل ذلك حرم نكاح القرابة المنصوص عليها .

       تحرير ذلك حيث كان معظم القصد من النكاح الاستمتاع كانت مخالطة الزوجين غير خيالية من نبذ الحياء ،
 وذلك ينافى ما تقتضيه القرابة من الوقار لأحد الجانبين والاحتشام لكليهما .

وذلك ظاهر فى أصول الشخص وفروعه وفى صنوان أصوله من عمة أو خالة .
 وأما صنوان الشخص ، وهم الإخوة و الأخوات فلقصد إيجاد معنى الوقار بينهما .

       وأما محرمات الصهر : فبعضهما إلحاق بالنسب مثل أم الزوجة ؛ فإنها حرام ولو كان ابنها ميتا ، والريبة التى دخل بأمها .
       وبعضها لدفع ما يعرض من شقاق يقضى إلى قطع الرحم بين من قصدت الشريعة قوة الصلة فيه .
ولهذا لا يجمع بين الأختين والمرأة مع عمتها أو خالتها .
وأما المحرمات للرضاع فلأن آصرة الرضاع نزلت منزلة النسب لقول النبى (صل الله عليه وسلم) :
 (يحرم من الرضاع ما يحرم النسب) .

       وفى قواعد حفظ النسب فى الأحوال التى مضت فى الجاهلية ،
 وفى التحديدات التى جاء بها الإسلام نظرة عظيمة إلى حفظ حقوق النسل عن تعريضها للإضاعة
والتلاشى وفساد النشأة التى لا تصاحبها الرعاية .

       ومن متممات تقوية آصرة القرابة أحكام النفقة على الأبناء و الآباء باتفاق ،
 وعلى الأجداد و الأحفاد عند بعض الأئمة ، وجعل القرابة سبب ميراث على الجملة .
 والأمر ببر الأبوين وبصلة الأقارب وذوى الأرحام مما لا يعرف نظيره فى الشرائع السالفة .
والترخيص فى أن يطعم المرء فى بيت قرابته دون دعوة ولا إذن قال تعالى :
 ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابائكم ) .

آصرة الصهر
        نشأت آصرة الصهر عن آصرتى النسب والنكاح كما قال تعالى :
(فجعله نسبا وصهرا) وعن تحقيق معنى الجلال والوقار المقصودين فى حب القرابة كما تقدم .

        ليس المقصود من ذلك مجرد حفظ أواصر المودة بين الشخص المحرم وبين الشخص الذى وقع التحريم بسببه ،
فإنا وجدنا تحريم الصهر مستمرا بعد موت الشخص الذى وقع التحريم بسببه بله فراقه ،
عدا تحريم الجمع بين الأختين ، فهذا هو الصهر القريب .

طرق انحلال هذه الأواصر الثلاث

       النكاح مبنى على المكارمة ، والبيع مبنى على المكايسة .

       فانحلال آصرة النكاح بالطلاق
من تلقاء الزوج وبطلاق الحاكم وبالفسخ .
والمقصد الشرعى فيه ارتكاب أخف الضرر عند تعسر استقامة المعاشرة وخوف ارتباك حالة الزوجين 
وتسرب ذلك الى ارتباك حالة العائلة .

 فكان شرع الطلاق لحل آصرة النكاح ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) .

       وجعل أمر الطلاق بيد الرجل من الزوجين ؛ لأنه فى غالب الأحوال أحرص على استبقاء زوجة 
وأعلق بها وأنفذ نظرا فى مصلحة العائلة .

على أنه قد جعل للمرأة الوصول إلى الطلاق بطريق الخلع أو بطريق الرفع إلى الحاكم إن حصل إضرار ،
 كما جعل للمرأة أيضا مخلصا مما عسى أن يكون فى بعض الرجال أو فى عرف بعض القبائل أو العصور من حماقة
أو غلظة جلافة أو تسرع إلى الطلاق اتباعا لعارض الشهوات ، بأن تشترط أن يكون أمر طلاقها بيدها أو أمر الداخلة عليها بيدها
أو إن أضر بها فأمرها بيدها أو نحو ذلك .

وفى الحديث الصحيح : ( أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم عليه الفروج ) .

      إنحلال آصرة النسب
  إطلاق اسم الانحلال على إبطال آصرة النسب فيه تسامح ؛ 
لأنه ليس بانحلال ما كان منعقدا ، ولكنه كشف لبطلان ما كان يظن أنه نسب .

 فأما النسب الثابت فلا يقبل انحلالا ولا إسقاطا .

         ولهذا الانحلال طريقان : أولهما اللعان ،
 وثانيهما إثبات انتساب الولد إلى أب غير الذى ينسبه الى نفسه 
أو ينسبه الناس إليه ، فأما اللعان فأحكامه مقررة فى الفقه .
         وقد ألغى الرسول عليه الصلاة والسلام الاعتماد فى نفى النسب على عدم الشبه بالأب ؛ لأنه ليس بسبب صحيح .
         وأما الطريق الثانى ، وهو إثبات انتساب ولد إلى أب غير الذى ينتسب إليه أو ينسبه الناس إليه ،
 فقد ابتدأ ذلك فى الشريعة الإسلامية بإبطال ما كان من التبنى .

 

ليست هناك تعليقات: