الأربعاء، 10 فبراير 2021

تاريخ الفقه الإسلامي 3

 تاريخ الفقه الإسلامي 3


الدور الثاني

عصر الصحابة

 

مكانة الصحابة:

أصحاب الرسول هم الجيل المثالي ، رباهم الرسول، وكانت توجيهات القرآن تلاحقهم ، تعالج أمراض النفوس ، وتزكي القلوب ، وترقي بهم إلي القمم السامقة.

قال ابن مسعود:" أولئك أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه ، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم؟، واتبعوهم علي أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا علي الهدي المستقيم".

وقد استطاع الصحابة في الفترة التي تلت وفاة الرسول أن يقيموا حياتهم في المجتمع الإسلامي وفق منهج الرسول، وقد أخبر بذلك الرسول  ففي الحديث:"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها، ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله...."أحمد من حديث حذيفة.

وفي الحديث" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، فعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ..." أبو داود والترمذي وقال :حسن صحيح.

وقد استمرت الخلافة بعد الرسول ثلاثين عاما وهي فترة حكم أبى بكر وعمر وعثمان وعلي وفي الحديث" الخلافة بعدي ثلاثون سنة" وصححه الإمام أحمد.

 ومما يدل علي فضل الصحابة أن الله شهد لهم ، ورضي عنهم، وأثني عليهم في القرآن وفي كتبه السابقة.

دور الصحابة تجاه الشريعة الإسلامية:

قام الصحابة علي دين الله ، فحفظوه من الضياع، وبلغوه للعالمين وقد كان فقهاء الصحابة هم أصحاب الشورى ، وبيدهم تدبير الأمور، فلم يكن يصدر أمر إلا إذا كان موافقا للشريعة، وكانوا يشجعون المسلمين علي مراقبة الحكام وفق مقاييس الشريعة.

 مشكلات واجهها الصحابة:

1-     خشية الصحابة من ذهاب شيء من القرآن بسبب ذهاب حفظته في حروب الردة.

2-     خشيتهم من اختلاف الأمة في القرآن.

3-     خوفهم من الكذب في سنة الرسول.

4-     خوفهم من أن يزيغ المسلمون عن المنهج الذي وضعه لهم دينهم في الجانب التشريعي.

5-     مشكلات الحياة المتجددة وكيف يحكموها بالإسلام ، بحيث يكون الإسلام إطارا لها.

تدوين الصحابة للقرآن:

عن زيد بن ثابت قال:" أرسل إليِ أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة ،فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر : إن عمر أتاني مقتل أهل اليمامة (قتل 450 من الصحابة)  فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشي إن استحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أري أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال  عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتي شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك مثل الذي رأي عمر .

قال زيد : إنك رجل شاب عاقل لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.

جمع الصحابة الأمة علي هذا المصحف :

كان المصحف الذي جُمع في عهد أبو بكر الصديق  موجود في بيت في المدينة والمنورة ، أما العالم الإسلامي فلم يكن فيه ما يرجع الناس إليه إلا المحفوظ في الصدور

وفي عهد عثمان بن عفان ، اختلف الناس في قراءة القرآن ، وأخذ بعضهم يغلط بعضاً في القراءة، ورأي بعض الصحابة ذلك فسارعوا إلي الخليفة وجلين من اختلاف الأمة في كتابها كما اختلفت اليهود والنصاري ، فأرسل عثمان إلي جماعة من الصحابة وطلب منهم أن ينسخوا عدة نسخ من المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر ، وأرسل إلي كل ناحية بنسخة  ، وأمر الصحابة باحراق ماعدا هذه النسخ ، وبذلك قضي علي ذلك النزاع والاختلاف في مهده.

وبهذا حفظ  الصحابة نص القرآن من الضياع : بنقص منه أو زيادة فيه، وحفظوه من الاختلاف في طريقة قراءته "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر – 9

أما المشكلة الثالثة وهي خوف الصحابة من الكذب وتحريف سنة الرسول صلي الله عليه وسلم وهذا كان يتصور من جهتين :

1-     أن  يدخل الخطأ والتحريف إلي السنة من غير قصد بسبب النسيان ، أو الخطأ في تحمل الرواية حين سماعها أو حين تبليغها.

2-     أن يدخل في السنة المكذوب والباطل إذا دخل في المجتمع الإسلامي أعداء الإسلام بغرض إفساد دين المسلمين

وفي سبيل حماية السنة من الدخيل والكذب والتلبيس حذر الخليفتان الراشدان الصحابة من الإكثار من رواية السنة ، ثم إنهما كانا يستوثقان إذا روي لهما أحد من الصحابة حديثاً عن الرسول صلي الله عليه وسلم

روي مالك وأحمد والترمذي والدارمي وابن ماجة عن قبيصة بن ذئيب قال:

جاءت الجدة إلي أبي بكر تسأله ميراثها ، فقال لها : مالك في كتاب الله شيئ ، ومالك في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئ ، فارجعي حتي أسأل الناس ، فسأل ، فقال المغيرة ابن شعبة : حضرت رسول الله صلي الله عليه وسلم أعطاها السدس ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : هل معك غيرك ؟ فقال محمد بن مسلمة مثل ما قال المغيرة ، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.

وروي البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري ، قال : أتانا أبو موسي ، قال : إن عمر أرسل إلي أن آتيه ، فأتيت بابه ، فسلمت ثلاثاً ، فلم يرد علي ، فرجعت ، فقال : ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت : إني أتيت بابك، فسلمت علي بابك ثلاثاً فلم ترد فرجعت، وقد قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم : "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له ، فليرجع"

فقال عمر : أقم عليه البينة ، قال أبو سعيد : فقمت معه ، فذهبت إلي عمر ، فشهدت

وقد أثمرت هذه الطريقة فلم يبلغنا أن أحداً كذب علي الرسول صلي الله عليه وسلم في ععهد الخلفاء الراشدين ، وهذا راجع لهذا المنهج القويم ، ولأن الصحابة الكبار متواجدون بكثرة وهيبتهم تملأ القلوب ، ولأن الكاذب يسهل اكتشاف كذبه

تدوين السنة النبوية :

لم تدون السنة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة في مدونات جامعة لسببين :

1-     أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك ، كما ثبت في صحيح مسلم ، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن.

2-     لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة.

ولكن لم يمنع هذا أن يوجد أفراد من الصحابة كانوا يكتبون السنة لأنفسهم

 

طريقة الصحابة في التعرف علي الأحكام :

توفي الرسول صلي الله عليه وسلم وترك للصحابة مهمة ثقيلة هي حكم الحياة بشريعة الله ، فالأحكام والمشكلات التي يجدون نصاً يدل عليها من الكتاب والسنة يقف الصحابة في ذلك عند حدود ذلك النص ، ويقصرون جهودهم التشريعية علي فهم المراد من النص ليصلوا إلي تطبيقه الصحيح ، وإذا لم يجدوا نصاً استخدموا الرأي ، وكانوا في اجتهادهم معتدمين علي ملكتهم التشريعية التي حصلت لهم من مصاحبة الرسول صلي الله عليه وسلم ، والوقوف علي أسرار التشريع ومبادئه العامة ، فتارة يقيسون ، وأخري يقضون بما تقتضيه المصلحة العامة.

وقد كان أبو بكر وعمر يكثران من المشاورة إذا لم يجدا في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئ

إختلاف الصحابة :

لم يختلف المسلمون في عصر النبي صلي الله عليه وسلم في مسألة ما إختلافاً مستمراً لا يصير إلي إتفاق ، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم  كان يحسم كل اختلاف ، وكان قوله تشريعاً يجب اتباعه والمصير إليه

ولكن بعد بعد موت الرسول صلي الله عليه وسلم إختلفوا في مسائل قليلة جداً وذلك لعدة أمور:

 

1-     الفقه العظيم الذي كان الصحابة يتمتعون به

2-     كانت السياسة في عصرهم تابعة للدين ، ولم يكن الدين تابعاً للسياسة كما وقع في عصور تالية ، ولأن اظظلمة كانت شورية دستورية

3-     المنهج الذي أخذ الصحابة أنفسهم به وهذا المنهج يقوم علي ما يأتي :

        أ – إلزام كبار الصحابة بالبقاء في المدينة في عهدي أبي بكر وعمر، مما سهل الرجوع  إليهم في مختلف القضايا ، كما سهل مناقشة المخطئ منهم

       ب – لم يفرض الصحابة الصور العقلية في إجتهادهم في استنباط الأحكام ، وقد كانوا يرون أن فرض الصور العقلية ، واستنباط أحكامها من التمحل في الدين ، وضياع الوقت النفيس

       ج – استخدام نظام الشوري إذ كان الخليفة إذا عرض عليه أمر يستشير كبار الصحابة

       د – قلة رواية الحديث

       هـ - عدم التسرع في إبداء الرأي ، فكان حكمهم مبنياً علي التروي ودراسة الموضوع

4-     قلة الوقائع والمشكلات في عهدهم بالنسبة لما حدث في العصور التي تلت عصرهم

 

تلك هي أهم الاسباب التي أدت إلي قلة الاختلاف

أسباب الاختلاف هي:

1-     وقوع حوادث ونزول نوازل

2-     تفاوت الصحابة في فهم النصوص وفقهها

3-     بلوغ الأحاديث لبعضهم وعدم بلوغها الآخرين

4-     تفرق الصحابة في عهد عثمان وعلي في الأمصار بعد أن أذن لهم عثمان في الارتحال عن المدينة ، مما أدي إلي انتشار علم الصحابة في الأمصار ، كما أدي إلي صعوبة الرجوع إلي الصحابة في الملمات

5-     الاختلاف الذي ذر قرنه في خلافة عثمان ، وانتهي باستشهاده رضي الله عنه، وقد شغل الصحابة في خلافة علي رضي الله عنه ، وهو وإن كان خلافاً حول السلطة والخلافة إلا أن آثاره امتدت إلي ثير من الأحكام

6-     مدي اعتمادهم علي الرأي ، فمنهم من لا يري حرجاً في اللجوء إليه ، ومنهم من يتحرج منه إلا لضرورة

7-     اختلاف بيئات وحاجات وعادات الأقطار التي حل الصحابة بها .

 

 

مصادر التشريع في هذا العصر :

الكتاب والسنة ، والمصدر الجديد هو الاجتهاد ، وقد كانوا يسمونه الرأي

أمثلة من اجتهاد الصحابة :

1-     إجتهادهم في تولية أبي بكر الخلافة

2-     إجتهاد أبو بكر في قتال مانعي الزكاة

3-     إجتهادهم في جمع القرآن

4-     جمع عمر المسلمين علي إمام واحد في رمضان بعد أن كانوا يصلون أوازاعاً في المسجد

5-     إجتهاد عمر في أمر الأراضي التي فتحها المسلمون  ، فقد رأي عمر رضي الله عنه ألا توزع علي المقاتلين ، لتكون مصدرا لبيت مال المسلمين لسد احتياجات الأمة في الحرب والسلم

6-     جمع عثمان المسلمين علي مصحف واحد ، وأمر الصحابة بحرق ما سواه

7-     سوي أبو بكر بين الناس في العطاء ، وفضل عمر بينهم

8-     الحق عمر حد الخمر بحد القذف وأقره الصحابة

9-     قضي عمر بقتل الجناعة بالواحد

فقهاء الصحابة أهل الفتية :

الذين حفظت عنهم الفتية 130 أو أكثر قليلا

المكثرون منهم سبعة وهم :

1-     عمر بن الخطاب

2-     علي ابن أبي طالب

3-     عبد الله بن مسعود

4-     عائشة أم المؤمنين

5-     زيد بن ثابت

6-     عبد الله بن عباس

7-     عبد الله بن عمر

 

المتوسطون في الفتي أي في عدد فتاويهم :

1-     أبو بكر الصديق

2-     أم سلمة

3-     أنس بن مالك

4-     أبو سعيد الخدري

5-     أبو هريرة

6-     عثمان بن عفان

7-     عبد الله بن عمرو بن العاص

8-     عبد الله بن الزبير

9-     أبو موسي الأشعري

10-   سعد بن أبي وقاص

11-   سلمان الفارسي

12-   جابر بن عبد الله

13-   معاذ بن جبل


 

ليست هناك تعليقات: