الأربعاء، 10 فبراير 2021

تاريخ الفقه الإسلامي 2

مختصر تاريخ الفقه الإسلامي



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن والآه أما بعد.

 

تمهيد

تدخل البشرية اليوم مرحلة جديدة أطلق عليها ألفين توفلر اسم الموجة الثالثة تتبدل فيها كثير من المفاهيم الإقتصادية والإجتماعية بل تمثل نقلة نوعية شديدة الأهمية شديدة الخطورة في تاريخ الحضارة البشرية ، ولقد تخلفنا في عصر الموجة الثانية ، ولا يحق لنا أن نتخلف عن ركوب هذه الموجة الثالثة ، ولكن حتي نستطيع أن ندرك عناصر تقدمنا لابد للبحث عن أسباب تأخرنا ومتي كان ذلك وما أسبابه ، لذا تعين علينا أن ندرس تاريخ الفقه الإسلامي ، ومراحل تطوره ، إذ الفقه الإسلامي يعكس الطريقة التي يفكر بها العقل الإسلامي في مواجهة الواقع المتغير ، ومن أفضل الكتب( فيما أعلم ) التي تحدثت عن تاريخ الفقه الإسلامي أو التشريع هو كتاب الدكتور عمر سليمان الأشقر ، وهذا ملخص  لهذا الكتاب

 ملحوظة : لم أتعرض  للمرحلة السادسة التي ذكرها المؤلف في كتابه وهي الفقه في العصر الحاضر وذكره لتقنين الفقه أي جعله في صورة قوانين ، وذلك لإني أري أن العصر الراهن هو امتداد لمرحلة الجمود والتقليد ، والتقنين نبع من حالة الضعف الشديد التي آلت لها حال الدولة الإسلامية والانهزامية المقيته وتقليد الفكر الغربي تقليداً أعمي

 ومع كتابتي هذه الورقات أتنسم عبير المجد والحضارة الإسلامية مستبشراً متوقعاً 

تغيرالحال فلقد هبت رياح التغيير ، وعلينا أن ننتهزها 

تاريخ الفقه الإسلامي

 

اسم الكتاب : تاريخ الفقه الإسلامي

اسم المؤلف: عمر سليمان الأشقر

دار النشر: مكتبة الفلاح

أدوار الفقه الإسلامي

 

ما الفرق بين الفقه والتشريع؟

التشريع اكتمل في عصر الرسالة بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم

أما الفقه فمازال ينتقل من طور إلي طور وقد مر بستة عصور وهي :

1-     عصر الرسول صلي الله عليه وسلم.

2-     عصر الصحابة.

3-     عصر التابعين.

4-     عصر التدوين والأمة المجتهدين.

5-     عصر الجمود والتقليد.

6-     العصر الحاضر.

 

 

 

الدور الأول

التشريع في العهد النبوي

 

يبدأ هذا الدور بالبعثة النبوية قبل الهجرة بثلاثة عشر عاما، وينتهي بوفاة المصطفي صلي الله عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة .

من عام 13 قبل الهجرة إلي عام 11 بعد الهجرة.

 

التشريع في العهد المكي والمدني

طبيعة التشريع في العهد المكي:

1-     قلة التشريعات.

2-     التركيز علي بيان أصول الدين، والدعوة إليها كالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر.

3-     التشريعات التفصيلية :

    تتعلق بأصول العقائد كتحريم ما ذبح لغير الله ، أو تتعلق بالأصل الكبير وهو منازعة الله في حكمه ، أو تتعلق بشناعة الجرم مثل قتل الأولاد، ووأد البنات.

 التشريع في المرحلة المدنية:

طبيعة التشريع في العهد المدني:

 

1- استمرار العناية بأصول الدين.

2- التعرض لجميع ما يصدر عن الإنسان من أعمال العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج ، وأمور مدنية  كالبيع والإجارة والربا ، والأمور الجنائية من قتل  وسرقة وزنا وقطع طريق ، ونظام الأسرة من زواج وطلاق وميراث ، والشؤون الدولية كالقتال وعلاقة المسلمين بالمحاربين، وما بينهم من عهود وغنائم الحرب.

طريقة تشريع الإسلام:

1- منهج الرسول صلي الله عليه وسلم في بيان الأحكام:

      كان الرسول صلي الله عليه وسلم يتوضأ فيري أصحابه وضوئه، فيأخذون به من   غير أن يبين أن هذا ركن وذلك أدب، وكان يصلي فيرون صلاته، فيصلون كما رأوه يصلي وهكذا....

2- التشريع لمناسبة وغير مناسبة:

ا- قسم من التشريعات شرعت دون أن تسبقه واقعة تستدعي البيان، ودون أن يسبقه سؤال يحتاج إلي جواب مثل قوله تعالي:"يأيها الذين امنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين"

وقوله " يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام ..."

ب- و قسم من التشريعات إنما شرع في مناسبة تستدعيه وهذا أكثر من القسم السابق

مثل قوله تعالي " ويسألونك عن المحيض.." وقوله " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه.." وسئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته (الترمذي).

3- التدرج في التشريع:

الأول: التدرج في تشريع جملة الأحكام بمعني أنها شرعت شيئا فشيئا، ففي ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة فرضت الصلاة، وفي السنة الأولي من الهجرة شرع الأذان والقتال و..

وفي السنة الثانية شرع الصوم وصلاة العيدين والزكاة وحولت القبلة و ..

الثاني: التدرج في تشريع الحكم الواحد

مثل الصلاة فرضت ركعتين ثم لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم فرضت أربعا

عن عائشة قالت:" فرضت الصلاة ركعتين ، ثم هاجر رسول الله صلي الله وعليه وسلم ففرضت أربعا ، وتركت صلاة السفر علي الفريضة الأولي (البخاري ومسلم ).

 

الصلاة كانت علي ثلاث أحوال:

1-     تحول القبلة بعد 17 شهرا صلاة إلي بيت المقدس.

2-     كانوا يجتمعون للصلاة ، ويؤذن بها بعضهم بعضا ،حتي كادوا أن يستعملوا الناقوس في الإعلام بالصلاة ثم شرع الأذان.

3-     كان إذا أتي الرجل وقد سبق في الصلاة كان يسأل كم ركعة سبق بها فيخبره  الرجل ركعة أو إثنتين فيصليهما ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، قل معاذ: لا أجده علي حال أبدا إلا كنت عليها ، ثم قضيت ما سبقني، فجاء وقد سبقه النبي صلي الله عليه وسلم ببعضها ، فثبت معه فلما قضي رسول الله قام فقضي فقال رسول اللع : "قد سن لكم معاذ هكذا فاصنعوا"

الصيام كان علي ثلاث أحوال:

1- قوله تعالي " يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم " إلي قوله "وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، فأجزأ ذلك عنه وقد كان يصوم النبي من كل شهر 3 أيام وصام عاشوراء.

2- قوله تعالي " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هديً للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأثبت الله صيامه علي المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام.

3- كانوا يأكلون ويشربون ويأـون النساء ما لم يناموا ، فإن ناموا امتنعوا،

ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمه ، كان يعمل صائما حتي أمسي ، فجاء إلي أهله ، فصلي العشاء ، ثم نام ، ولم يشرب حتي أصبح ، فأصبح صائما ، فرآه النبي وقد جهد جهداً شديدا، فقال : " مالي أراك قد جهدت جهدا شديدا ؟ " قال : يا رسول الله ، إني عملت أمس فجئت حين جئت ، فألقيت نفسي فنمت ، فأصبحت حين أصبحت صائماً ، قال : وكان عمر قد أصاب من النساء بعدما نام ، فأتي النبي فذكر له ذلك فأنزل الله " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربو حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل"  (أبو داود ).

التدرج في تحريم الخمر :

1-     إشارة خفية إلي ذم الخمر- حيث كان للعرب غرام شديد بها ويمتدحون شربها-

" ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسنا" فعد السكر غير الرزق الحسن.

2-     "يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" وهذه الأيه غيرت نفوس المؤمنين الذين كانوا يظنون أن شرب الخمر فضيلة وهذا أهم جانب في علاج النفوس ، وهنا أمتنع عنها بعض المسلمين.

3-     تحريمها في بعض الأوقات حتي يعتاد المدمنون تركها جزئياً "ياأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتمم سكري".

4-     تحريمها تحريما قاطعا لا شبهة فيه" يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون "

 

مصادر التشريع في هذا العصر

أولاً: القرآن الكريم:

وهو المصدر الأول للتشريع ولا يحتاج إلي تعريف

ثانياً: السنة النبوية:

تعريفها باعتبارها مصدراً للتشريع: هي أقوال الرسول وأفعاله، وتقريرا ته

والسنة حجة بنص القرآن قال تعالي " وماءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" سورة الحشر الآية 7.

وقد كان الرسول  يفصل كلامه تفصيلا ، ويتأني في إلقائه كي يفهمه أصحابه الذين يسمعونه ، ويحفظوه ويبلغوه للناس روي الإمام أحمد عن عائشة قالت:" كان كلام رسول الله فصلا ، يفهمه كل أحد ، ولم يكن يسرده سرداً"

وقد دعا الرسول للذين يحفظون سنته ويعونها ويبلغونها ،روي الشافعي و البيهقي عن ابن مسعود أن رسول الله قال: "نضر الله امرأ سمع مقالتي ، فحفظها ووعاها وأدَاها " ورواه أبو داود والترمذي بلفظ " نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعي من سامع " وقال الترمذي حسن صحيح.

ولقد هيأ الله لرسوله جمعا كبيراً من الأصحاب كان يلازمه بعضهم باستمرار

يقول أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في "المدخل إلي كتاب الإكليل " روي الحديث عن النبي من الصحابة أربعة آلاف رجل وامرأة صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة ثم بالمدينة، حفظوا عنه أقواله وأفعاله، ونومه ويقظته، وحركته وسكونه، وقيامه وقعوده، واجتهاده وعبادته، وسيرته وسراياه و مغازيه، ومزاحه وزجره ، وخطبته وأكله وشربه ، ومشيه وسكونه ، وملاعبته أهله، وتأديبه فرسه، وكتبه إلي المسلمين و المشركين ، وعهوده ومواثيقه ، وألحاظه وأنفاسه وصفاته ، هذا سوي ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة ، وما سألوه عن العبادات والحلال والحرام أو تحاكموا فيه إليه"

تدوين السنة النبويه:

       نهي الرسول عن كتابة السنة ولذلك لأن:

1-     العرب في عهد الرسول كانت أمة أمية لا تكتب ولا تقرأ من كتاب ، وكانوا مطبوعين علي الحفظ .

2-     حتى لا تختلط السنة بالقرآن .

3-     حتى لا تتوجه الجهود إلي التدوين فيشتغل الصحابة عن مهمات خطيرة نيطت بهم.  روي مسلم عن أبي سعيد الخدري أن الرسول قال:"من كتب عني غير القرآن فليمحه" وفي رواية الترمذي: "استأذنا النبي في الكتابة فلم يأذن لنا ".

       ثم أذن الرسول لبعض الصحابة بتدوين كلامه وسنته ، من هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص روي أحمد و أبو داود وابن عبد البر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك ، وقالوا تكتب ورسول الله يقول في الغضب والرضا ؟ فأمسكت ، حتى ذكرت ذلك لرسول الله فقال : " اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ، وأومأ بإصبعه إلي فيه".

ومن الذين كتبوا شيئاً من الحديث :عبد الله بن مسعود، وسعد ابن عبادة.

ولكن المكتوب من السنة كان جهداً فرديا ولم تدون السنة كلها، وكان الاعتماد في حفظ السنة علي الحفظ ولم يكن واحد من الصحابة يحيط بالسنة جميعها ، ولكن الصحابة في مجموعهم كانوا يحفظون جميع السنة ، ثم هم متفاوتون في حفظهم لها.

إجتهاد الرسول:

أجمعت الأمة علي أنه يجوز لنبينا محمد ولغيره من الأنبياء الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها، حكي هذا الإجماع ابن حزم وغيره.

وجمهور العلماء علي أنه يجوز للأنبياء الاجتهاد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية ، وخالف ابن حزم والظاهرية.

وقالوا: إذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد بالإجماع مع كونه معرضاً للخطأ فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ بالأولي ، وكونه صلي الله عليه وسلم يسكت في بعض الأحيان عندما يسأل فلأنه لم يظهر له الحكم . واستدلوا علي ذلك بوقوع الاجتهاد منه مثل قبوله الفدية من أسري بدر  قال تعالي :" ما كان لنبي أن يكون له أسري حتى يثخن في الأرض..." الأنفال67

واجتهاد الرسول حق لأن الله يقره عليه، أو ينزل الوحي يغيره أو يعدله.

إجتهاد الصحابة:

كان الصحابة إذا عرض لأحدهم عارض وهو بعيد عن الرسول اجتهد رأيه فقد اجتهد بعضهم عندما أجنب في ليلة باردة فتمرغ كما تتمرغ الدابة ثم صلي ولم يغتسل ولم يكن يعرف التيمم.

واجتهدوا في فهم النص كما في قوله : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة" فمنهم من نظر إلي المعني فلما حضرت الصلاة صلها في وقتها ومنهم من تنظر إلي اللفظ ولم يصل حتى وصل إلي بني قريظة ولم يخطئ الرسول واحدا من الفريقين.

وقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يمرن أصحابه ويرشدهم إلي الاجتهاد ، كقوله لما سئل عن الزكاة في الحمير: "ما أنزل الله علي فيها إلا هذه الآية الجامعة الفذة (فمن يعمل مثقال ذرةٍٍ خيراً) فبين لهم بهذا الجواب كيفية اندراج الجزئي في الكلي، وأن العام حجة، وأنه يعمل به قبل البحث عن مخصص.


ليست هناك تعليقات: