الجمعة، 6 فبراير 2015

مباحث نفيسة من الغياثي 02

مباحث نفيسة من الغياثي 02

(الغياثي:هو كتاب غياث الأمم في التياث الظلم للإمام الجويني)


في الحقوق التي تتعلق بالأملاك


فأما القول في المعاملات: فالأصل المقطوعُ به فيها اتباعُ تراضي الملاك، والشاهد من نص القرآن في ذلك، قوله تعالى وعزَّ: ]لا تأكلوا اموالهم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم[.

فالقاعدةُ المعتبرةُ أن الملاكَ مختصُّون بأَملاكهم، لا يزاحمُ أَحَدُّ مالكاً في ملكه من غير حقٍّ مستحق، ثم الضرورةُ تُحوجُ ملاكَ الأَموال التبادل فيها؛ فإن أصحاب الأطعمة قد يحتاجون إلى النقود، وأصحابُ النقود يحتاجون إلى الأطعمة. وكذلك القول في سائر صنوف الأموال.

 فالأمر الذي لا شك فيه تحريمُ التسالب والتغالبِ ومدِّ الأيدي إلى أموال الناس من غير استحقاق، فإذا تراضوا بالتبادل، فالشرع قد يضرب على المتعبِّدين ضروباً من الحجر في كيفية المعاملات استصلاحاً لهم، وطلباً لما هو الأحوط والأغبط، ثم قد يُعقلُ معاني بعضها، وقد لا يعقل عِلَلُ بعضها، والله الخبير بخفايا لطفه فيها.    

 ثم لو تراضى الملاك على تعدِّي الحدودِ في العقد،لم يصح منهم مع التواطئ والتراضي إذا بقيت تفاُصيل الشريعة.

فإذا دَرَست وقد عرف بنو الزمان أنه كان في الشرع تعبُّداتٌ مرعية في العقود، وقد فاتتهم بانقراضِ العلماءِ، وهم لا يأمنون أن يوقعوا العقودَ مع الإخلال بحدود الشرع وتعبداته، على وجوه لو أدركها المفتون؛ لحكموا بفسادها. وليس لهم من العقود بدّ. ووضوح الحاجةِ إليها يغني عن تكلف بسطٍ فيها، فليُصدروا العقود عن التراضي؛ فهو الأَصل الذي لا يغمض ما بقي من الشرع أصل، وليجروا العقود على حكم الصحة


وقد ذكرنا أن الحرام إذا طبق طبقَ الأرض، أخذ الناسُ منه أقدارَ حاجاتهم، لما حققناه من نزول الحاجة في حق العامة منزلة الضرورة في حق الآحاد. وهذا مع بقاء الشريعة بتمامها وجملتها، فكيف إذا مست الحاجة إلى التعامل، ولم يجد الخلق مرجعاً في الشرع يلوذون به؟

والقولُ الضابط في ذلك أن ما لا يُعلم تحريمُه من المعاملات، فلا حجر فيه عند خلو الزمان عن علم التفاصيل.

فأما القولُ في الحقوق المتعلقة بالأموال، فالمسلكُ الوجيز فيه أن الحقوق تنقسم إلى ما يُفرض لمستحقِّين مختصين، وإلى ما يتعلق بالجهات العامة:     

فأما ما يقدَّرُ لأشخاصٍ معيَّنين، كالنفقات وغيرها، فما عُلم في الزمان وجوبُه حكم به، وما لم يعلم بنو الزمان لزومَه، فالأمر يجري فيه على براءَة الذمة.     

فأما القول فيما يتعلق بالجهات العامة من الحقوق

فالواجب إنقاذُ المشرفين على الردى من المسلمين.





ليست هناك تعليقات: