تاريخ الفقه الإسلامي 5
الدور الرابع
عصر التدوين والأئمة المجتهدين
ابتدأ هذا العصر وشمس الدولة الأموية
تؤذن بالمغيب ، واكتمل وازدهر شمس الدولة العباسية تتألق في سماء الأمة الإسلامية
، وتوقف وانتهي عندما تجزأت الخلافة العباسية في منتصف القرن الرابع
وقد تلقوا القرآن مكتوباً محفوظاً ،
ولم ينته هذا العصر حتي دونت السنة ، ووضع علم الجرح والتعديل وقواعد مصطلح الحديث
وأهم سمات هذا العصر في الجانب
التشريعي:
1- تدوين السنة النبوية
2- تدوين المسائل الفقهية
3- المدارس الفقهية
4- المذاهب الفقهية
5- اتساع دائرة الخلاف
1- تدوين السنة :
لما رأي الخليفة الراشد عمر بن عبد
العزيز الخطر الذي يتهدد سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان رحمه الله من ذوي
البصيرة في دين الله أمر بتدوين السنة ، فإنه كان يعلم أن علماء الصحابة والتابعين
عزفوا عن تدوين السنة لحكمة وجدت في زمانهم وزالت تلك الحكمة في زمانه، فتغيرت
الفتوي بتغير الزمان
فكتب رحمه الله إلي أبي بكر بن عمرو
بن حزم أن يجمع السنن ، ويكتب إليه بها ،
فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتباً قبل أن يبعث بها إليه وقد أفاد ابن حجر أن الذي
قام بتدوين السنة بأمر عمر بن عبد العزيز هو ابن شهاب الزهري ، وأبو بكر بن عمرو
بن حزم كان والي عمر علي المدينة
وبالتالي فتح الباب لتدوين السنة
وكان أول كتب دونت في السنة سنة 120
هـ أو 130 هـ كما يقول أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب
طريقة تدوين الحديث :
1- وضع كل باب علي حدة
2- مزج الحديث بالفقه مرتباً علي الأبواب ( مثل الموطأ)
3- التصنيف علي المسانيد ( أي تجريد أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم
عن كلام الصحابة والتابعين) كمسند أحمد وطريقته أن تذكر أحاديث كل صحابي علي حدة
4- التصنيف علي الأبواب والمسانيد ( كما فعل أبو بكر بن أبي شيبة)
5- تدوين الصحيح المجرد من الحديث دون غيره ( أول من جرد الصحيح
البخاري)
مميزات كل طريقة :
تصنيف الأحاديث بطريقة المسانيد تفيد
في ضبط الأحاديث لتحفظ وتستنبط منها الأحكام ، وطريقة التدوين علي الأبواب أجود
لأمرين :
1- سهولة الرجوع إلي الحديث ، فالانسان قد يعرف المعني الذي يطلب
الحديثلأجله ، ولا يعرف راويه، وربما لا يحتاج إلي معرفة الراوي ، فإذا أراد
حديثاً يتعلق بالصلاة طلبه من كتاب الصلاة
2- أن الحديث إذا ورد في كتاب التيمم مثلاً علم الناظر فيه أن ذلك
الحديث هو دليل ذلك الحكم من أحكام التيمم ، فلا يحتاج أن يتفكر فيه ليستنبط الحكم
منه، بخلا ف الأول .
وطريقة تدوين الصحيح من أحاديث الرسول
صلي الله عليه وسلم في مؤلف دون غيرها
تعطي الثقة بالكتاب وتنشر الصحيح وتقلل من الاعتماد علي الضعيف خاصة للذين
لا يميزون بين الصحيح والضعيف
أهم كتب الحديث وأشهرها :
1- موطأ الإمام مالك :
أقدم مصنف في الحديث ونقد الرواة
والتشدد في الأخذ عن الرواة
جمع فيه ماصح عنده من حديث وتفسير
وفقه وتاريخ ، وذكر أقوال الصحابة والتابعين والأئمة من قبله.
عدد مافيه من آثار :
مسند 600
مرسل 222
موقوف 613
أقوال التابعين 285
وقد جمع محمد فؤاد عبد الباقي رحمه
الله ما في نسخ الموطأ والروايات المختلفه عنه (أي الامام مالك) فبلغت أحاديث
الموطأ 1852 حديثاً
القواعد التي استقر عليها الإمام مالك
في تأليفه الموطأ:
1- بني كتابه علي أقوي ما ثبت من الصحيح من أحاديث الرسول صلي الله
عليه وسلم
2- اعتماده علي القواعد العمرية
لطول خلافته رضي الله وتلقي الصحابه لها بالإجماع
3- ارتكز علي مارواه ابن عمر وما اختاره وعمل به
4- اعتماده علي تابعي المدينة فإنها العاصمة الإسلامية التي استقرت
بها آثار النبي صلي الله عليه وسلم وتلقاها الجم الغفير
2- المسند للإمام أحمد بن حنبل:
لم يدخل فيه إلا ما يحتج به وقال ابن
حجر في تعجيل المنفعة أنه ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة
وقال السيوطي وكل ما كان في مسند أحمد
فهو مقبول ، فإن الضعيف فيه يقرب من الحسن
وقد رتب كتابه علي المسانيد فجعل
مرويات كل صحابي في موضع واحد ، وعدد الصحابة الذين لهم مسانيد في كتاب الإمام
أحمد 904 صحابي
3- الجامع الصحيح البخاري:
أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن
المغيرة بن بردزبة البخاري (194- 256 هـ) حافظ الاسلام وإمام أئمته الأعلام
لم يضع فيه حديثاً إلا بعد أن يصلي
ركعتين ويستخير الله ، وقد قصد فيه إلي
جمع حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الصحلح المستفيضة المتصلة دون الأحاديث
الضعيفة ، جمع الأحاديث في جميع الأبواب ، واستنبط منها الفقه والسيرة ، وقد نال
من الشهرة والقبول درجة لا يرام فوقها
والبخاري قد يذكر الحديث الواحد في
عدة مواضع ، فلم يكن يتوخي وضع جميع روايات الحديث في مكان واحد ، والسبب في ذلك
أن الحديث الواحد قد يكون فيه من العلم والفقه ما يوجب وضعه في أكثر من باب ،
ولكنه غالباً ما يذكر في كل باب الحديث بإسناد غير إسناده في الأبواب السابقة أو
اللاحقة ، وقد يختلف سياق الحديث من رواية لآخري
أحاديث البخاري بالمكرر سوي المعلقات
والمتابعات 7563
وعدد أحاديث البخاري سوي المكرر من
الأحاديث المتصلة قرابة 4000
4- الجامع الصحيح لمسلم:
مؤلفه مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري
النيسابوري (204- 261هـ)
قد تأسي الإمام مسلم في صحيحه
بالبخاري رحمه الله ، فلم يضع فيه إلا ما صح عنده ، وقد جمع مسلم في صحيحه رويات
الحديث الواحد في مكان واحد ، والبخاري فرق الروايات في مواضع مختلفة ، فصنع مسلم
يجعل كتابه أسهل تناولاً ، وصنع البخاري أكثر فقهاً ، لأنه عني ببيان الأحكام ،
واستنباط الفوائد والعظات
عدة أحاديثه الأصول 3033 ، وجملة
أحاديثه 12000
5- السنن لأبي داود:
مؤلفه أبي داود سليمان بن لأشعث
السجستاني أحد الحفاظ لأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم (202 – 275 هـ)
بلغت أحاديثه 5274
مدي الصحة قال أبو داود " ذكرت
فيه الصحيح وما يشابهه ويقاربه ، وما كان فيه وهن شديد بينته ، ومالم أذكر فيه
شيئاً فهو صالح ، وبعضها أصح من بعض"
وكلامه في الاحاديث وبيان حالها يعتبر
نواة تفرع عنها علم الجرح والتعديل
وقد وجه أبو داود همه في هذا الكتاب
إلي جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء ودارت فيهم ، وبني عليها الأحكام علماء
الأمصار
وكتابه فيه المرفوع للرسول صلي اله
عليه وسلم
والموقوف علي الصحابة
والمنسوب إلي علماء التابعين
6- الجامع الصحيح للترمذي:
وهو المشهور باسم السنن لأبي عيسي
محمد بن عيسي بن سورة الترمذي (209 – 279هـ)
وقد عني بجمع أحاديث الأحكام كما فعل
أبو داود ، ولكنه بين الحديث الصحيح من الضعيف
ذكر الشيخ أحمد شاكر أن كتاب الترمذي
يمتاز بثلاثة أمور لا تجدها في شيئ من كتب السنة الأصول الستة او غيرها وهي:
1- أنه يختصر طرق الحديث اختصاراً لطيفاً
2- أنه في أغلب أحيانه يذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم في المسائل
الفقهية ، وكثيراً ما يشير إلي دلائلهم.
3- أنه يعني كل العناية في كتابه بتعليل الحديث ، فيذكر درجته من
الصحة والضعف، ويفصل القول في التعليل والرجال تفصيلاً جيداً ، وبذلك صار كتابه
تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث ، خصوصاً علم العلل ، وصار أنفع كتاب للعالم
والمتعلم ، وللمستفيد والباحث في علوم الحديث
7- السنن للنسائي :
لأبي عبد الله أحمد بن شعيب بن علي بن
بحر بن سنان النسائي ( 215- 302هـ)
يقول السيوطي" كتاب السنن أقل
الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً ، ورجلاً مجروحاً"
والسبب الذي دعا أبا داود والترمذي والنسائي
إلي أن يذكروا في كتبهم أحاديث معللة هو احتجاج بعض أهل العلم والفقه بها ،
فيورودونها ويبينون سقمها لتزول الشبهة
8- السنن لابن ماجة:
هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة
الربعي بالولاء القزويني ( 209 – 273هـ)
جملة أحاديث السنن 4341
منها 3002 أخرجها أصحاب الكتب الخمسة
كلهم أو بعضهم
وباقي الاحاديث 1339 هي :
أحاديث رجالها ثقات صحيحة الاسناد 428
حديثاً
أحاديث حسنة الاسناد 199
أحاديث ضعيفة الاسناد 613
أحاديث واهية الاسناد أو منكرة أو
مكذوبة 99
طبقات كتب
الحديث
كتب الحديث من حيث الصحة 5 طبقات :
الطبقة الأولي:
صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وموطأ
مالك
والذي عليه أئمة الإسلام أنه ليس بعد
القرآن كتاب أصح من صحيح البخاري ومسلم ، مع أن الأئمة علي أن البخاري أصح من مسلم
كما انه لا يشك أحد أن البخاري أعلم
من مسلم بالحديث والعلل والتاريخ ، وأنه أفقه منه ، إذ أن البخاري وأبا داود أفقه
أهل الصحيح والسنن المشهورة
أما قول الشافهي " ما تحت أديم
السماء كتاب أكثر صواباً بعد كتاب الله من موطأ مالك " فهذا كان قبل زمن
البخاري ومسلم
الطبقة الثانية :
سنن أبي داود ، وسنن الترمذي ، وسنن النسائي ،
وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة فإن الإمام أحمد جعله أصلاً يعرف به
الصحيح والسقيم
الطبقة الثالثة :
مسند أبي يعلي ، ومصنف عبد الرزاق ،
مصنف أبي بكر بن أبي شيبة ، ومسند عبد بن حميد ، والطيالسي ، وكتب البيهقي ،
والطحاوي، والطبراني ، وكان قصدهم جمع ما وجدوه ، لا تلخيصه وتهذيبه وتقريبه للعمل
، لذا اشتمل علي الصحيح والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب
والثابت والمقلوب
الطبقة الرابعة:
كتب قصد مصنفوها بعد قرون طويلة جمع
مالم يوجد في الطبقتين الأولين
وهذه الطبقة مادة كتب الموضوعات لابن
الجوزي.
الطبقة الخامسة :
ما شتهر علي ألسنة الفقهاء والصوفية
والمؤرخين ونحوهم وليس له أصل في الطبقات الأربع
لماذا روي كبار الأئمة عن الضعفاء ؟
أجاب النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم
بالتالي:
1- أنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس في وقت عليهم ، أو
علي غيرهم ، أو يشككوا في صحتها.
2- أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر أو يستشهد به ، ولا يحتج به علي
إنفراده.
3- رواية الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل ، فيكتبونها
ثم يميز أهل الحديث والاتقان بعض ذلك من بعض ، وبهذا احتج سفيان رحمه الله ، حين
نهي عن الرواية عن الكلبي ، فقيل له : أنت تروي عنه ! قال : " أنا أعلم صدقه
من كذبه ".
4- أنهم قد يروون عنهم أحاديث الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال ،
والقصص ، وأحاديث الزهذ ، ومكارم الأخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام ،
وسائر الأحكام.
العمل بالحديث الضعيف :
ذهب يحيي بن معين وأبو بكر بن العربي
إلي أنه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً ، ويبدو أن هذا هو مذهب البخاري ومسلم
أيضاً
ويرس ابن عبد البروابن مهدي والإمام
أحمد أنه يجوز العمل بالضعيف في باب فضائل الأعمال
وهذا ليس عليإطلاقه بل بشروط ثلاث
ذكرها السخاوي من كلام شيخه ابن حجر العسقلاني وهي:
1- أن يكون الضعف غير شدي ، فيخرج من انفرد من الكذابين ،ومن فحش
غلطه.
2- أن يكون مندرجاً تحت أصل عام ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل
أصلاً.
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا ينسب إلي النبي صلي الله عليه
وسلم ما لم يقله
2- تدوين الفقه:
ابتدأ تصنيف الفقه في هذا العصر
مختلطاً بالسنة النبوية وما أثر عن الصحابة والتابعين ، لأن السنة وأقوال الصحابة
والتابعين مادة الفقه ، مثل ما فعل مالك في موطأه ومثله أيضاً الجامع الكبير
لسفيان الثوري ، وكتاب اختلاف الحديث للشافعي ،
ووجد بجانب الفقه المختلط بالحديث كتب
الفقه المجرده عن السنة والآثار ، وقد عني
بهذا النوع من التصنيف علماء الأحناف ، فقد كتب أبو يوسف كتابه الخراج تناول فيه
الدستور المالي للدولة الإسلامية فقهاً مجرداً ، وكذلك محمد بن الحسن الشيباني في
كتبه الستة التي جمع فيها مسائل الأصول في مذهب امامه.
والملاحظ أن كتب الفقه في هذا العصر
تعني بالدليل ، وتهدف إلي إظهار الحق من غير تعصب ، ومن خير الكتب التي تمثل هذا
العصر كتاب الأم للشافعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق